لا ندري ظروف رسالة بشّار الأسد، لكنّها تعكس شخصيّته وغرورَه. كتبتُ عنه في عام 2012 مقالة بعنوان «الطاغية ابن الطاغية» وذكرتُ فيها أنّ الرجل نشأ في أجواء ملكيّة. لم يعِش الحياة العاديّة. أحاطوه بالمُطبّلين والمُتملّقين و...الشبّيحة.
لم يتغيّر بين إقامته في سوريا ومنفاه الروسي. معارضوه هم دوماً إرهابيّون. لكنْ لا يمكن لنظام أن يستقرّ (حتى نظام البعث) من دون حدٍّ أدنى من المقبوليّة. هو فقد المقبوليّة وانتقلت سوريا إلى الحُكم الجديد. الشعب السوري ضاق ذرعاً بحُكم استمرّ لأكثر من خمسين سنة. وبعدما مدّ التحالف الخارجي (من محور المقاومة) في أجَل النظام، أصيب بالغرور أكثر.
ظنّ أنّ حُكمه سيُخلَّد، ورفض كلّ المقترحات للتوصّل إلى تسوية مع معارضة لا تعدُّها موسكو أو إيران إرهابيّة. وفي وصْفه لمغادرته سوريا من قاعدة حميميم ينفي أيّ دور له بالقرار فيها، هو ظنّ في الصياغة أنّه برّأ نفسه من تهمة الهروب التي ستلاحقه طوال حياته.
قال إنّ موسكو «طلبت من قيادة القاعدة العمل على تأمين الإخلاء الفوري إلى روسيا». يتحدّث عن القتال: يقول إنّ خياره الوحيد كان استمرار القتال، لكنّه غادر إلى موسكو، ربّما بانتظار تحديد زمان المعركة المقبلة ومكانها.
أميركا (باعترافها بلسان بلينكن) تحضّر للحُكم الجديد، ويمكن أن تضمن معها أنّها ستجترح نظاماً أشنع من النظام البائد. هي فعلت ذلك في أفغانستان والعراق وليبيا، ولو أُتيح لها المجال لنصّبت في لبنان نظاماً أكثر فساداً وطائفيّةً من النظام الحالي.
كان يمكن للنظام السوري أن يتنازل، وكان يمكن لبشار الأسد أن يتنحّى، وخصوصاً لأنّ المناصب لا تعنيه «على الصعيد الشخصي» كما قال. لا، وهو تمنّى في ختام الرسالة أن «تعود سورية حرّة»، أي إنّها كانت حرّة على أيامه.
أخبرني السفير السوري السابق في واشنطن، عماد مصطفى قبل عام 2011 أنّه فاتح بشار يوماً بشأن الانتخابات الحرّة، لكنّه كان قاطعاً برفْضها. قال: لو جرت، فإنّ الإخوان سينالون 70% أو أكثر. أراد، كما أخبره، أن يُنشِّط «البعث» لخَوض انتخابات مستقبليّة.