لم يبدأ التحقيق (الخاص بالحزب أو الرسمي، وإن كان من المشكوك فيه أن يُجرى تحقيقٌ رسمي) لكنّ الاختراق الإسرائيلي الإلكتروني بدأ بصورة محدّدة عند تشكيل محكمة الحريري الدولية. هذه المحكمة كانت الفرصة التاريخيّة للعدوّ للانقضاض على الحزب، وخصوصاً بعد هزيمة العدوّ المنكَرة في حرب تمّوز.
قانون المحكمة الدوليّة فتح كلّ خزائن الدولة، وكلّ الأسرار الخصوصيّة للشعب اللّبناني أمام إسرائيل وأميركا (محرّكتَي المحكمة). الحزب تعرّض لخديعة، ويمكن أن يُلام على تصديقه أكاذيب 14 آذار آنذاك، في تصديقه لمقولة إنّ هذه المحكمة ليست دوليّة، وإنّها «محكمة ذات طابع دولي».
هذه كانت البدايات قبل أن تتغيّر المصطلحات. لم تكن هناك أيّ رغبة أو قدرة للدولة على رفْض طلبات المحكمة غير المنتهية. والطريف أنّ أميركا وإسرائيل روّجتا لفكرة أنّ عبقريّاً إلكترونيّاً من فرع المعلومات، هو الذي كشف أمر شبكة الاتصالات الهاتفيّة، كأنّ لأجهزة لبنان قدرات الموساد وجهاز «وكالة الأمن القومي» الإلكتروني.
كلّ الأبواب والنوافذ باتت مفتوحة للموساد كي يدخلها. مَن مِنكم يذكر عندما اقتحمت قوّات المحكمة الدوليّة المجوقلة عيادة نسائيّة؛ لأنّ الموساد أراد أن يرصد هواتف زوجات المسؤولين في الحزب؟ لم يكن هناك أيّ سبب من منظور التحقيق في اغتيال الحريري لتجميع قائمة بزوجات المسؤولين في الحزب.
هنا كان على الحزب أن يتنبّه باكراً لِما يحدث، وأن يكون هناك إدراك بطبيعة المؤامرة الجارية. حدثَ تساهل كبير مع المؤامرة من باب الحرص على السِّلم الأهلي والتعايش بين الطوائف.
المحكمة جمّعت، رقميّاً، كلّ المعلومات من كلّ أجهزة الأمن، عن كلّ أفراد الشعب اللبناني، ومن دون أيّ ربط باغتيال الحريري. وقعَ الحزب في فخّ كبير، والخطوات التي بدأت في زيارة تلك العيادة النسائيّة هي التي أدّت إلى استهداف قيادات الحزب في غير مكان.
اختراق المقاومة في لبنان كان برعاية رسميّة من دولة لبنان، وهي بدأت بمجرّد أن انتهت حرب تمّوز إلى هزيمة للعدو. انتفاضة 5 أيّار من قِبل 14 آذار كانت قراراً إسرائيليّاً للحفاظ على حقّ إسرائيل في اختراق شبكة إشارة المقاومة.