ما الّذي دفع الشّاب محمّد البوعزيزي لأن يضرم النّار في جسده أمام مقرّ ولاية سيدي بوزيد ذات 17 ديسمبر 2010؟ و ما الّذي جعل الشّاب الأمريكي آرون بوشنل جندي القوات المسلّحة الأمريكية يفعل نفس الشّيء أمام مقرّ السّفارة "الاسرائيلية" بواشنطن في 25فيفري2023؟
هو فعل احتجاجي عنيف جدّا أدّى إلى الموت الّذي لم يكن غاية في حدّ ذاته،بل هي رسالة أراد أن يرسلها الفاعل لمن يهمّه الأمر في لحظة يأس بعد أن صُدّت أمامه جميع الأبواب و اعتقد باستحالة وصول رسالته إلّا بتلك الطّريقة العنيفة و المشهد الصّادم.
كان التّهميش و الظّلم و القهر و الإذلال من الأسباب الّتي دفعت البوعزيزي إلى إشعال جسده، و كانت جرائم الإبادة في غزّة هي ما جعلت آرون بوشنل يقوم بما قام به مع بثّه ذلك مباشرة.
أمّا في حالة الأستاذ الفاضل فاضل الجلّولي، أستاذ تربية المادّة الاسلامية بأحد معاهد الشّابة،فيبدو أنّ تنمّر بعض التّلامذة عديمي الأخلاق و التّربية و سوء تصرّف إدارة التّربية و التّعليم و وضع عام مشحون في مناخ ملوّث بخطابات العنف و الكراهيّة، و الحملة الممنهجة المستهدفة لرجال التًربية و التّعليم،كانت من الأسباب الظّاهرة المباشرة و المفسّرة لما أقدم عليه.
هو مشهد احتجاجي و هو انتحار بالنّظر إلى النّتيجة الحاصلة ، لكن أيستحقّ مجتمع من العميان أن يضرم لأجله أحدهم النّار في جسده؟
• أيسمع من به صمم صراخه و هو يتألّم و يحترق؟
• أيدرك أو يفكّك المغيّب عقله رسالة المشهد الصّادم؟
• أيحسّ من مات فيه الإحساس؟
اترانا وصلنا إلى هذه الدّرجة من العمى و الصّمم و بلادة العقل و الحسّ لكي لا نشعر برسائل الأستاذ الفاضل رحمه اللّه، و لكي نستشعر خطورة ما نعيشه و ما سنعيشه إن لم نقم بوقفة تأمّل للتشخيص و المبادرة الفوريّة في المراجعة و العلاج؟
متى نقرّ بأنّنا نعيش انهيارا قيّميا و أخلاقيا و أنّ منظومتنا فاسدة لا تنتج و هي ماهي عليه سوى فسادا.
كيف نبغي صلاحا و نحن نستهدف أهمّ أدواته،رجال التّربية و التّعليم؟
كيف نعيد بناء إنسان مورست عليه طيلة عقود كلّ أنواع التّدمير الممنهج لنشاهد مسوخا مشوّهة عنيفة متوتّرة تجعل من بعض الأولياء يصطفّون الى جانب أبنائهم و هم يتنمّرون على من يعلّمهم الحرف؟
• أين قيمنا المستمدّة من ديننا و تراثنا؟
• أين دور الأسرة الّتي استقالت و تخلّت عن مهامها؟
• أين دور الإعلام الّذي كانت له اليد الطّولى في ما يجري اليوم من مآسي؟
• أين دور الكتّاب و المفكّرين و أهل الثّقافة فيما يتمّ من جرائم في حقّ الإنسان و منهم من ساهم في التّدمير و استلاب عقولنا؟
• أين دور السّاسة و الحكّام من لا همّ لهم سوى الكراسي و نهب ما في جيوبنا؟
ما بين حادثة البوعزيزي و الحادثة الأخيرة كانت هناك عشرات الحوادث المماثلة الّتي دعتنا الى دقّ نواقيس الخطر لكنّنا تجاهلنا ذلك و لم نفعل، ليزداد الوضع سوءا و يستفحل.
رحم اللّه الأستاذ الفاضل فاضل الجلّولي و رزق أهله و ذويه و زملاءه و أصدقاءه و تلامذته جميل الصّبر و السّلوان.
حدث جلل و خطير، نتمنّى أن يكون الأخير.