في مقارنته بين علم الفيزياء وعلم السياسة قال آينشتاين شاكياً " السياسة اكثر صعوبة من الفيزياء"، وقد يكون ذلك هو السبب وراء المراسلات بينه وبين فرويد، فكان حوارا بين من يغوص في قوانين الكون وبين من يغوص في دهاليز اللاوعي وعراكه مع الوعي.
لكن الامر يزداد تعقيدا عندما تكون الظاهرة السياسية تغلي في مرجل دول العالم المتخلف، وتزداد عسرا على الفهم في منطقتنا التي تحتل صدارة سُلم عدم الاستقرار السياسي عالميا ، ويكفي التأمل في الـتالي :
أولا: نسبة الانفاق الدفاعي الى اجمالي الناتج المحلي : لو نظرنا في نسبة الانفاق الدفاعي الى اجمالي الناتج المحلي لأعلى عشرة دول في العالم ، ثم قارنا بين معدل دخل الفرد وبين الانفاق الدفاعي من حيث الرتبة العالمية سند النتيجة التالية:
من بين أعلى عشرة دول في العالم في نسبة الانفاق الدفاعي الى اجمالي الناتج المحلي هناك خمسة دول عربية، وهي:
أ- لبنان : تحتل المرتبة الثانية عالميا بمعدل 8.91% بينما مرتبتها في الدخل الفردي تأتي في المرتبة .(177)
ب- الجزائر: تحتل المرتبة الثالثة عالميا بمعدل 8.17% بينما ترتيبها في معدل الدخل الفردي هو( 102)
ت- السعودية تحتل المرتبة الرابعة عالميا بمعدل 7.09 بينما رتبتها في الدخل الفردي (20 ) عالميا.
ث- سلطنة عمان تأتي عالميا في المرتبة الثامنة بمعدل 5.40 بينما معدل دخلها الفردي يحتل المرتبة (42)
ج- الاردن وتحتل المرتبة العاشرة عالميا بمعدل 4.91% بينما معدل الدخل الفردي ياتي في المرتبة (110 ) عالميا.
فلو نظرنا في معدل الدول العربية الخمس، سنجد ان مرتبتنا في الانفاق العسكري هي ما بين المرتبة الخامسة والسادسة عالميا بينما معدل دخل الفرد يأتي في المرتبة ما بعد 90 عالميا...فكيف نوفق بين الامرين؟ ثم لماذا لا نرى اي اثر ميداني عسكري لهذه المراتب المتقدمة؟ وكيف نفسر هذه النزعة العسكرتارية في زمن يجري الترويج فيه للتطبيع مع اسرائيل؟
ثانيا: تعلن المقاومة اللبنانية يوميا عن خروقات اسرائيل لاتفاق وقف اطلاق النار ، ثم تقول "انها تراقب ذلك ولكنها تعمل على احترام الاتفاق "، فهل هذا الموقف هو لتكريس فكرة أن المقاومة إذا خرقت الاتفاق لاحقا فلا يلومها احد لأن اسرائيل هي البادئة ، أم ان المقاومة تخشى الرد والعودة للحرب ثانية؟ ام أن الامر ليس إلا دثار لفظي يخفي توجه استراتيجي عملي جديد ويهجر النهج القديم ؟ ام ان الامر "خداع وتضليل استراتيجي"؟
ثالثا: هدد نيتنياهو سوريا بشكل واضح وصريح في آخر يوم من أيام معركة لبنان، فهل اشتعال الشمال السوري هو تنفيذ للتهديد؟ أم لا صلة بين الأمرين؟ ثم لماذا يصمت اهل السُنة –في معظمهم – عن الدور التركي في سوريا ؟ ولماذا تتواصل كل دول الخليج مع سوريا وتندد بما يجري إلا " دولة قطر" ؟
سؤالي: لو اجتمع آينشتاين وفرويد وماركس وابن خلدون ومعهم مورغانثو وميرشايمر وهابرماس وجينغ بيجيان والكسندر دوغين...هل يستطيعون تفسير ذلك كله...؟ لأول مرة اشعر بخجل "ربما"، ولن الوم آينشتاين إنْ شكا.