فقرة من كتاب

Photo

جلب انتباهي رأي بن خلدون في المقدمة حين يقرّ ببداية تدهور المستوى اللغوي لمعاصريه وان آخر أهم الأدباء والشعراء في التاريخ العربي كأنو حسب رأيه أمثال بشار بن برد (للتذكير، هو الذي شبّه البدْرٓ بصورة ذاتِ دَلٍّ وليس العكس بالرغم من انه كان كفيفًا)،… وان موازين الرُّباعي والخُماسي المجرّد والمزيد قد انعدم استعمالها في عصره..، ويخلص الى مخاطر ذلك على الحضارة…

وبدون المقارنة بين ظرفين مختلفين في التاريخ، ولو ان هناك من يؤاخذ بن خلدون على عدم مواكبة بعض أطروحاته مع واقعه الاجتماعي بل كان سابقا لعصره، مثل نظريتِه لِلْقيمة القائمة على "العمل" التي لا تتواءم مع تشكيل قبلي ما قبل-رأسمالي وغير سلعي للمجتمع…

اما ان تستمع الى الخطاب السائد اليوم وما يحتويه من مرادفات قليلة العدد، فقيرة المحتوى، تُستعمل في أكثر من موضع وفي اكثر من مستوى مثل "كلاب" و "نجاسة" و "بيع ذمم" و"خمور" و "حق الرد" و "ملفات فساد" و"زطلة"، و"جبهة" وغيرها الى ان تسطّحت مفاهيم أخرى أو أُفرغت من فحواها مثل "الثورة" و "الاحترام" و"الصبر" و"التحدّي" و"الأمانة" و"البدائل" و "الإصلاح"… وذلك في ظل عجز أغلبية النُّخب على تبني خطاب عقلاني ثري يفيد الناس في مستقبلهم، وطبقة سياسية مستقيلٌ جُلّها من مهامها، ودوْسٌ على المقدَّس الذي يعني إيتيمولوجيًا "الامر الذي يجمّعُ ويوحّد" …

فاعلم ان ألجيل القادم لن يوقّر كبيرا ولن يرحم صغيرا ما لم يرحل عدد كبير من المستهترين بالنظام اللغوي وما يحتويه من رمزية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات