ثلاثة أصدقاء من احزاب مختلفة، التقيتهم اثناء عطلتي الاخيرة بتونس، لم تكن لهم اجابة لعديد الأسئلة العامة ولا هم كانوا مطلعين حتى عن أسباب ادارة احزابهم لبعض المواقف، او ليسوا مقتنعين ببعض التصريحات الرسمية لممثليهم..
اما عن اطلاعهم على الشأن العام فلم يكن بالدقة الكافية التي يتطلبها التّحزب المفضي بطبيعة الحال الى ادارة الشأن العام هذا والتأثير فيه...لكن ما استأثر اهتمامي هو ان عموم الناس أصبحوا غير قادرين على فهم ما يحدث في البلاد مقارنةً بالسنوات القريبة الماضية. وهذا حسب رأيي راجع أساسا للعوامل التالية:
١- عدم قدرة الاعلام في غالبه على مسايرة الأحداث وترتيبها حسب الأهمية بحيادية وإيصالها للناس بالقدر الكافي من الأمانة كماًّ وكيفاً. فلا وثائقي حول محاربة الفساد في الخارج ولا في الداخل، ولا تغطية للنتائج النهائية للانتخابات البلدية ولا متابعة تعظيم لشهداء الاٍرهاب ترتقي الى مستوى المصاب الجلل..،
٢- اهتمام الناس بمشاغلهم اليومية التي تلهف الوقت والجهد والمال، فضلا عن المتاعب الاجتماعية الهيكلية لجزء هام من الناس.
٣- عجز ملحوظ لدى اصحاب القرار في اتصالهم بالناس. فإلى حد الان نجد بعض وسائل الاعلام تعلم بالزيادة القادمة في أسعار المحروقات، وكأنه خبر عاجل، في حين انه قانون صادق عليه مجلس النواب قبل عاميْن فيما عُرف "بقاعدة التعديل الآلي"،
والبعض الاخر ينشر في نفس السياق ان جمعية مهني البنوك والمؤسسات المالية تُقرّ بعدم تفعيل تداعيات الزيادة في نسب الفائدة على قروض الإسكان، في حين ان هذا القرار كان عليه ان يُعلن في بيان البنك المركزي يوم اتخاذ قرار الترفيع، والى حد الان مازالت بعض المحطات الإعلامية تسْتدعي ضيوفا للتعريف بواقع الصناديق، عوضاً عن الحديث عمّا وصلت اليه الإصلاحات وتقيمها..هذا، بدون تفسير للرأي العام لموقف بن عاشور في الامم المتحدة لفائدة اسرائيل من عدمه، ولا الاسباب التي حالت دون تطبيق المخطط التنموي، ولا مساءلة وزيرة الرياضة عن الخيبة المشينة في كاس العالم..
٣- انخفاض وتيرة نشاط المجتمع المدني لما كان عليه في السابق لفائدة تشويش بعض المتداخلين في الشأن العام بتصريحات سطحية وخاطئة، يتم تضخيمها وتوقع الرأي العام في الخطىء والضبابية.
٤- عدم اهتمام النخبة السياسية عموما بمشاغل المواطن ولا بمستقبله الاجتماعي والاقتصادي الذي يرتضيه، وتمحور شغلها الشاغل حول الإستراتيجيات السياسية الحزبية او الفرديّة للوصول او للبقاء في الحكم الى غاية تراكم هذه الاستراتيجيات وتعقّدها وانحصارها في دوائر ضيقة غير متاحة لكل المتحزّبين فضلا عن عموم الناس.
فتراك تسمع تصريحات عامة، غير دقيقة ومتكررة من العديد من الاطراف او الرغبة في تغيير الحكومة لأنها "فاشلة"، او استقالة وزير لأنه يريد ان يتحرر عبثا من واجب التحفظ ودعم الحكومة التي استقال منها .
اخيراً، توافر المعلومة انما هو اكتساب القدرة على فهم وتحليل الواقع، واحتكارُها هو في حدّ ذاته احتكارٌ للسّلطة… وبقدر ما كانت المعلومة مفقودة، بقدر ما استعصى استكمال الانتقال الديموقراطي…