من كُتب مؤرخي عام 2150

Photo

“... وقد كان عدد سكانها لا يزيد عن اثنتي عشرة نسمة، حيث تزيد نسبة الإناث على الذكور ... وبعد انتفاضة 2011، التي افضت الى انشاء الجمهورية الثانية والتي شهد لها العالم من مكانة إقليمية ودولية ومن ابداعات تونسية محضة بتقديم الحوار على العنف،...كان عدد الحكومات في العام الواحد مرتفعا جدًّا الى غاية ان التونسيين لم يكونوا قادرين على ذكر اسماء كل الوزراء وكل مسؤولي الدولة، بل ان البعض لا علم للكثير عن سيرهم الذاتية التي يتم الترويج لها في وسائل الاعلام وتضخيمها....

وتُبيّن النشريات في تلك الحقبة من تاريخ البلاد ارتفاعا منقطع النظير في عدد الخبراء في شتى الميادين الاقتصادية والأمنية والطاقية وفي ثروات الارض الظاهرة منها والباطنية وغيرها من الاختصاصات النادرة بالرغم من تدهور واقع التونسي الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وحتى النفسي الى غاية منتصف القرن الواحد والعشرين حيث كان منسوب الهجرة العشوائية والطلاق والاجرام والانتحار والموت المفاجئ عاليا جدا مقارنة بالعديد من الدول في ذلك الوقت،

مع تراجع حصة القطاع الصناعي والتحويلي لفائدة الأنشطة التجارية السهلة ذات الربح السريع والكثير بدون عناء المخاطرة والاستثمار في البحث العلمي ورأس المال البشري، حتى انه يُروى ان القطاع غير المهيكل الذي لا يتعامل مع الدولة بالجباية والمراقبة كان منتعشا وكان يضم العديد من الكيانات المربحة، الى غاية تقلص حجم القطاع العام ودور الدولة، وضعفت سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وتفككت سيادتها بما كان يُسمى في ذلك الوقت باستقلالية أجهزتها عن بعضها، وانهارت عملتها التي أصبحت لا تُستعمل إلا بالمقايضة…

وقد لاحظ التونسيون آنذاك، ان الحياة اليومية للمجتمع كانت غير مكترث بها لدى اصحاب القرار، إِذْ لما يطالبون بالتشغيل، تصادق السلطة على قانون الأسرة ولما يستشهد جندي او أمني يتم تحوير وزاري... وقد كثرت الإشاعات وفُقدت الثقة بين الناس وبين الحاكم والمحكوم .

وقد كانت جل وسائل الاعلام تبث برامج تافهة لا ترتقي بالوعي ولا بالذوق إلا ما ندر وكانت مظاهر المفارقات عديدة حيث الثراء السريع وبروز الشخصيات العامة وصُنّاع الرأي بشكل يكاد يكون سلسا في الفن والسياسة والفكر والاجتماع بدون شروط مسبقة من رصيد معرفي او تجربة او حنكة او اختصاص معين …

فبعض الوزراء لم يكونوا مؤهلين في مجالاتهم مثل الزراعة والرياضة والاقتصاد والمالية والسياسة النقدية والمصرفية والدفاع والتعليم والفن وغيرها من الحقائب الحساسة ..

وبالرغم من ان الانتفاضة قادها الشباب لأسباب اختلف حولها المؤرخون لكن الامر المشترك بينهم كان التفاوت الاجتماعي والاقليمي، فان هؤلاء الشباب لم يكونوا معنيين بالاختيارات الاستراتيجية آنذاك، بل بالعكس فقد تم تهميشهم في ظل نخبة سياسية نشطة جدًّا في خريف العمر، اغلبها كان في فلك السلطة منذ عقود وقد فشلوا ثم تصدروا المشهد لإلقاء الدروس ونشر الكتب الحمّالة للنصائح والدروس..

وأما عن الجامعيين فقد تراجع دورهم في الشأن العام لِمَا كانوا عليه في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، وظلّوا متفرقين، تجمعهم المصالح وتفرّقهم المخاطر…

وأما عما بقي من المتداخلين، فمنهم من بات وفيا لتبلّده الذهني، ومنهم من انتحر فكريا ومنهم من ينتظر.. "

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات