نكاد لا نفهم كيف تُبنى التحالفات بين الدول ونكاد لا نرى منطقا واضحا إن لم يكن هناك "تناقضات". فتركيا المتفقة مع روسيا في ما آلت اليه التوافقات تعتبر الهجوم الامريكي المقلّص لنفوذ روسيا في سوريا "لازما لكن غير كافٍ". والسويد على عكس ألمانيا التي تربط بينهما مصالح اقتصادية استراتيجية تجنح الى استنكار ذلك، في حين ان فرنسا حيث رئيسها المنتهية ولايته والتي لم تنل حصّتها من الربيع العربي يؤيِّد مع المستشارة الألمانية و رئيس وزراء إنجلترا هذا التدخّل خارج مظلة الامم المتحدة وشرعيتها…
وروسيا القادمة الى سوريا "لفرض الاستقرار في المنطقة ومحاربة الارهاب"، لم تُفعّل دفاعاتها لردّ الهجوم الامريكي الذي اعتبرته "عملا ارهابيا". وكأنها على علم بذلك..
ان الملاحظات التالية يمكن ان تُؤخذ في الاعتبار عند قراءة الهجوم العسكري الامريكي على سوريا اليوم:
- من المهم التخلي عن الايديولوجيات لتفسير ما يقع في سوريا لأنها غطاءٌ لمصالح دول عظمى تصارع من اجل البقاء باستراتيجيات التوسع المعروفة منذ القِدم (روما وبيزنطا والدولة العثمانية وألبرتغال وبريطانيا والمانيا ثم أمريكا والاتحاد السوفياتي) . ويمكن قراءة هذا التدخل على الأقل كمناورة أمريكية لتدارك ما فاتها خلال السنوات الاخيرة. فعدم توفر معطيات دقيقة ربما تُنشر بعد عقود يحول دون بناء موقف علمي.
- للتذكير، لمّا بدأت الاحتجاجات في سوريا قبل ستّ سنوات على ضوء ما وقع في تونس، تباطأت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة في حماية الشعب السوري وتخاذلت إدارة أُبامة عن مساندة بديل لبشارالذي اتخذ من "مجابهة التطرّف والإرهاب" شعارا لاستعمال حُجَّة القوة، الشيء الذي فتح الباب على مصرعيه للتدخل العسكري من قوى عالمية ليست لها من مصلحة إلا ابتزاز سوريا والمفاوضة بها لِقَاء مصالح قومية ولعل أهمها روسيا التي ربما قايضت بمأزق جزر القرم.
- ولمّا كان الشعب السوري يعاني الأمرّين من تهجير قسري وهدم لمعالمه الحضارية واختراق مخابراتي وتجويع وتشريد وتقتيل، كان العالم يفاوض إدارة التدفقات الديموغرافية المتأتية من سوريا، والمجتمعات المدنية تتباهى باحتضانها لبعض العائلات، والنخب السطحية تناقش الهامشيات كمواقفها "ضد أو مع بشار" أو ما هي الفصائل التي انسلخت عن الأخرى والنخب السياسية تستثمر الكارثة الانسانية في أجنداتها الانتخابية..،
- لم يدم طويلا حكم حنبعل في روما، ولا الفاطميين في تونس، ولا الجرمانيين في فرنسا ولا الغوليين الفرنسيين في روما ولا غيرهم لأنها حركات استعمارية ساطية على غيرها وغير حاملة لمشاريع حضارية .
تباً لمن يغني وروما تحترق.