تتواصل موجات الهجرة السّرّيّة في قوارب الموت ومعها تأتي الأخبار عن غرق قارب هنا وآخر هناك. تقول آخر أخبار الهجرة السّرّيّة (الحرقة) أنّ قاربا، قد غرق بإحدى جهات الساحل علي متنه عدد من المهاجرين، وكان من بين الغرقى أستاذة وطفلها ذا الأربعة أعوام (ولا ندري إن كانت مباشرة او هي معطّلة عن العمل مثل الكثيرين).
ومع كلّ حادثة غرق،يتكشّف أنّ الغرقى من الجنسين ومن فئات عمريّة مختلفة. ضاق عليهم العيش في بلادهم إلى حدّ الإختناق، فآثروا ركوب قوارب الموت، غير آبهين بالمجهول، فمن كتبت له السّلامة ونجا من الموت غرقا، ليس من المؤكْد أنّ مأساته ستنتهي بمجرّد الوصول إلى بلاد الطّليان،ولن تكون الجنّة بانتظاره.
قد تبدأ فصول معاناة جديدة. ورغم ذلك، لا يكفْون عن ركوب البحر،فقد استوى عندهم الموت وحياة بلا قيمة وبلا معنى. تملّكهم اليأس، فركبوا قوارب الموت أملا في فرصة عمل، قد تعيّر مجرى حياتهم، وقد يكتفون من الأحلام بمجرّد تغيير الوجوه والأماكن واستبدال ألم بألم ومرارة بأخرى.
وبعيدا عن التّوظيف السّياسي للظاهرة ،فهي ليست جديدة ، بل قديمة قدم منوال تنمية، تبيّن عجزه، فقامت عليه الثورة، واستطال عمره بعدها. دفع المجتمع ومازال ثمنه فواجع والعائلات دموعا واحزانا على فقد أبنائها وبناتها، منوال تنمية شاخ منذ أمد بعيد وعجز عن تأمين الحدّ الادنى للكرامة البشريّة، وبات اليوم أعجز من ذي قبل.