تواجه تونس منذ أحداث 25 جويلية ،بقطع النٍطر عمّا يسميه البعض إنقلابا وما يسميه البعض الآخر تصحيح مسار،أسوأ وضع مرّ عليها في تاريخها. لم يسبق ان عاشت الدولة وضعا مشابها.
إذ لأوّل مرّة في تاريخ تونس:
1/الدولة ، ولمدّة، قاربت الشّهر، من غير حكومة واضحة المعالم ومن غير رئيس حكومة او حتى رئيس وزراء كما كان الحال قبل الثورة.
2/ولأول مرة تونس من غير برلمان بحكم تجميد نشاطه.
3/يأتي الحدثان في سياق أزمات اجتماعيّة واقتصاديّة وصحّيّة بسبب تفشّي الوباء. وهي نفس الأسباب التي أدّت إلى تجميد نشيط البرلمان، فهل كان الحلّ في الحلّ؟ أمّا كيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، فتلك قصّة يعرفها القاصي والدّاني.
قد يكون امر التّجميد مفاجئا في توقيته (تعوّدنا ان تكون الأحداث الكبيرة في الشّتاء)، ولكنّه لم يكن مستبعدا مع تواصل العراك وتحوّل المؤسسّة التّشريعيّة إلى حلبة صراع، ألحقت ضررا بالغا بصورته في الدّاخل والخارج. هل كتلة الدّفع نحو التّعفين بطريقة قصوويّة، مسؤولة وحدها علي كلّ ماجري؟ بالطّبع لا. فالطّرف الأغلبي في البرلمان شريك في المسؤوليّة بسلبيّته حينا وبقبول الإستدراج نحو التّعفين والرّداءة حينا آخر، دون أن يدرك حجم السّوء الذي أصبحت عليه صورة البرلمان وحجم ازدراء النّاس له ونقمتهم على من فيه، بسبب ما يرونه تقصيرا في مواجهة ازمات البلاد والتْخفيف من متاعب النّاس،وهو ما جعله في مرمى سخط النّاس، وصل إلى حدّ إظهار الشّماتة بحلّه،دون تفكير في العواقب.
لم تكن البلاد قطعا قبل 25 جويلية في وضع مريح، فالمخاوف استبدّت بالنّاس من كلّ الجهات، وهي مخاوف واقعيّة وجدّيّة، فهل انتهت تلك المخاوف مع الإجراءات الإستثنائيّة؟بالطّبع لا.
لقد انضافت إليها مخاوف أكبر، مخاوف من المجهول، فلا أحد يدري إلى أين تسير البلاد. في ظلّ تواتر الأنباء، عن منع من السّفر،طال نوّابا، بعد تجميدهم، وقضاة وشخصيات حزبيّة واخرى ناشطة، في المجتمع المدني ووضع آخرين تحت الإقامة الجبريّة، رغم التّطمينات بأن تونس لن تحيد عن مسار الحقوق والحريات، ولكنّ ذلك، يبقى مجرّد كلام في غياب ضمانات حقيقيّة.
أمْا الأخطر من كلّ ذلك،تواتر الأخبار عن تأسيس كيانات جديدة تحت عنوان"المجلس الأعلى للشباب" وتحت مسمّى "الحشد الشّعبي"!! تحيل التّسمية على تنظيم ميليشياوي طائفي في العراق،عابر للقارّات، يتقاسم احتكار السّلاح مع الدّولة، ويقوم بالادوار القذرة التي لا تجرؤ عليها الحكومات وبإبعاز منها. لا أحد يدري طبيعة هذه التّشكيلات الجديدة، هل هي أحزاب؟ منظّمات؟ ومن يقف وراءها؟ وما مصادر تمويلها؟ وهل تملك رخصة قانونيّة للنّشاط؟
أخطر ما في هذه التّنظيمات، خطابها العنيف والمشحون بالتّعصْب وبمفردات العنصريّة، المستوحاة من الخطابات الفاشيّة، إلى جانب السّبّ وهتك الأعراض و التّلويح بالإنتقام من كلّ من يخالفهم الرّأي ، وكأنّها هيّات نفسها لتحلّ محلّ الوسائط التّقليديّة من أحزاب ومنظّمات، وهو مالم تجرأ عليه روابط حماية الثّورة التي تم حلّها بالقانون. وعلي رجال القانون ونشطاء المجتمع المدنيّة ان يلاحقوا هذه التّنظيمات قانونيّا وقضائيّا، قبل أن يستفحل أمرها وتعصف بمدنيّة الدّولة وبمكاسب الثّورة في مجال الحقوق والحرّبات.
تونس، تحتاج اليوم إلى طوق نجاة، يتجاوز سلبيات عشريّة الثّورة ومواطن الخلل في نظامها السّياسي دون المساس بجوهر المسار الديمقراطي و واقع الحقوق والحرّيّات، يخطئ من ينتظر حلولا خارجيّة، أو يستقوي على شركاء الوطن بجهات أجنبيّة، تدخّلها لن يزيد الوضع إلّا تأزّما، طوق النّجاة يجب أن يكون نابعا من ضمائر شركاء الوطن مهما كانت اختلافاتهم، فعليهم وحدهم تقع مسؤوليّة اجتراح الحلول، وإن قصّروا، فقد فتحوا أبواب التّدخّل الأجنبي على مصاريعها.