ظهوره الإعلامي مبرمج ومدروس وغيابه كذلك، ومع كلّ ظهور، يكشف عن جانب من خطّة الإنقلاب على الثّورة، ومع كلّ غياب، يتهيّأ للمرحلة الموالية، لا يلوي على شيء، كأنّه يسابق الزّمن، مستغلّا أزمات البلاد ليقنع مريديه بفشل عشريّة الثّورة وضرورة محوها من الواقع للمرور سريعا إلى نظامه السّياسي المرتقب، بأيّة طريقة، حتى وإن كانت مجانبة للشّرعيّة، وبأيّ ثمن، حتى وإن كانت على حساب مكسب الثورة الوحيد "الحقوق والحرّيّات".
بهدوئه المصطنع، متشبّها بالمنظّرين،بلا توتّر وبلا صراخ، يمضي كبير الحملة التّفسيريّة، في "حربه الباردة"علي الثورة، على المؤسّسات الدّستوريّة، على الحقوق والحرّيّات، على المنظّمات، وحتّى على الدّينار التّونسي. وسط بهتة الجميع، يمضي كالسّيل الجارف نحو مخطّط التّمكين لمشروع اللّجان الشّعبيّة. وبمنتهي الإستعلاء، لا يقبل حوارا إلّا في إطاره، فإرادة مولانا، لا تقهر، لإنها من إرادة الشّعب. أما كيف عرف أنّ مشروعه يمثّل إرادة الشّعب، فهذه لا يعلمها إلّا هو…وليس لأحد أن يشكّك في قوله، لعلْه "إمام معصوم".
إطلالته الإعلاميّة الأخيرة ،حملت معها جديدا، صادما، حيث دعا إلى استبدال الدّينار التونسي بوسيط جديد "متحرّر من عبوديّة الدّولار والأورو".ولكنّه،كعادته وعلى طريقة الشّيعة في استخدام "التّقيّة"، لا يخبر عن وجهة المحور الذي يريد جرّ البلاد والعباد إليه، ولا يخبر عن نوع العملة البديلة المقترحة. ليس مستغربا ان يكون، قد استقرّ في ذهنه أصلها وفصلها. أبرز ما يميز هذا" المنظّر"، الجانب العملي، فكلْما انهى مرحلة دخل في أخرى،متشجّعا بصمت النّخب، وبهتة الأحزاب ،والمنظّمات، والمجتمع. وإن لم ير في الصّمت تأييدا لمشروعه، فإنّه يقرأ فيه عدم الرّغبة في الرّجوع إلى ما قبل 25 جويلية. وهذا يكفيه للزّحف خطوات أخرى،نحو الدّينار، ثم نحو" حكم محلّي"، لا أحد يعلم عن طبيعته شيئا، فهل سيكون على أنقاض البلديّات؟
لا ينبغي لأحد أن يستهين بكلام كبير الحملة التّفسيريّة، إنْه ماض في مخطّطه، لم يكن وصفه للنّظام السّياسي بأنّه قد تعفّن وأصبح جثّة هامدة، سوي دخول فعلي في مرحلة جديدة، تقوم على ترذيل البرلمان والاحزاب من جهة والإستثمار في أزمات البلاد من جهة أخري في إطار مخطٍط أشمل يستهدف التّنكيل بالثورة، تمهيدا للوصول إلى التّدابير المتّخذة يوم 25 جويلية.
ولاشكّ ان حديثه عن العملة الجديدة، ليس مجرّد شطحة مزهوّ بما أنجز، وليس الأمر مجرّد اقتراح، فهو في ظهوره الإعلامي القليل وفيما يبدو أنّها برامج حواريّة، لا يبدو أنّه يسمع لنقد مخالفيه، ولا هو مهتمّ لما يسمع،وليس لديه استعداد للتّراجع ولا للتّعديل. لا يحاور إيمانا بجدوى الحوار، ولايري في الحوار إلّا مناسبة للتّعريف بمشروع صيغ بعيدا عن اهتمامات الشعب وعن مؤسّسات الدّولة وعن استحقاقات الثورة ، لذلك فهو لا يأتي على ذكرها إلْا بما يسيء لها، ولا يأتي على ذكر الحرّيّة إلّا بقدر ما يستفيد منها...فهي عنده لا تزيد عن كونها مصعد.
إنّه ماض في تبديل هيئة الحكم، وهي تهمة كانت توجّه ظلما وزورا لمعارضي بورڨيبة وبن علي، وإن لم يجد من يتصدّي له، هذه المرّة من خبراء المال والإقتصاد، فليس من المستبعد ان نصحو ذات يوم على خبر موت الدّينار التونسي وتعويضه بالصّوردي المنقوب،أو أيّة عملة أخرى، يرتضيها لنا مولانا غير المعمّم… فيما لو تواصلت بهتة الجميع.