صورة أكياس "الحنطة" الأنيقة، القادمة من بلاد الأمريكان "هديّة من الشّعب الأمريكي إلى الشّعب التّونسي"، أرجعت إلى أذهاننا صورة مماثلة من أواسط ستّينات القرن الماضي،وربّما كانت تحمل أيضا عبارة "لاتباع"..لست ادري إن كانت مكتوبة على الأكياس الجديدة أم لا.
يومها كنْا أطفالا في المدارس الإبتدائيْة، وكنْا نتسابق لتهجيتها، مستمتعين بما اكتسبناه من مهارة في القراءة وسط ثناء سامعينا "يرحم من قرّا". لقد تجاوزنا مرحلة" فكّ الخطّ" إلى مرحلة " يقرأمثل البلبل". هكذا كان يعلّق كبار العائلة.
كنّا نستغرب كيف لأمريكا التي لم نكن نعرف عنها شيئا أن تهدينا القمح ونحن نزرع القمح ومنه نستخرج السّميد لإعداد الكسكسي وخبز الطّابونه وسائر المعجّنات.؟! ولم نكن ندري أنّنا شعب فقير، يحتاج إلى المساعدة.
عندها،يتطوّع أحد المفسّرين بإخبارنا أنّنا سنردّ على الهديّة بمثلها، مضيفا أنّ "النّبيّ قبل الهديّة"، وهكذا ترسّخ في أذهاننا أنّ الشّعوب تتبادل الهدايا فيما بينها، ولم نفهم أنٍ المسألة تتعلّق بالفقر، والجوع،إلّا عندما كبرنا وكبر وعينا.
وربّما تطوْع آخر(مفسّر آخر) وقال بأنّ إمريكا، تقدّم الهدايا إكراما واحتراما لبورڨية. ولّى زمان وعاد آخر ورجعت معه صورة أكياس القمح الأمريكيّة ورجع ومعها سؤال بسيط :كيف لم تحقّق الدّولة رغم مرور حقب زمنيّة طويلة الإكتفاء الذّاتي في إنتاج القمح و هو العنوان الأوّل للأمن الغذائي و عنوان السّيادة الحقيقيّة والفعليّة ونحن في بلد وصفه المؤرْخون بأنْه "مطمور روما"؟ ولماذا نجحت دول وشعوب أخرى في تحقيق اكتفائها الغذائي وتفوّقت في تصديره فيما عجزنا نحن في بلاد العرب والمسلمين؟!