كشفت حملة الإعتقالات الأخيرة عن مخزون من الحقد لدي فئة من الشّعب ، لا أحد يدري كم حجم هذه الفئة في الواقع، ولكنّها موجودة ولا يخلو منها مجتمع من المجتمعات. لم تخف هذه الفئة من المواطنين غرائز التّشفّي فيما يحدث لغيرهم من المواطنين بطريقة فاقت أسوأ مايمكن ان يتخيّله المرء.بوّؤوا أنفسهم منزلة فوق منزلة غيرهم من النّاس ونصّبوا أنفسهم قضاة وجلّادين لمن اعتبروهم أشرارا تحت وابل من ألسنة حداد، لا تبقي ولا تذر.
حوّولوا" السّوشيال ميديا" إلى ميدان فسيح لمحاكمات شعبيّة، يصدرون احكاما باتّة وقطعيّة، و بين الحين والآخر، تأتي بلاغاتهم حاملة خبر اعتقالات جديدة في "قادم السّاعات".. هكذا يفعلون دون احترام لكرامة الافراد ومشاعر عائلتهم. وربّما قرأ أحدهم خير اعتقاله على شبكات التواصل وهو بين أفراد عائلته. ولا ينسى هؤلاء ان يطبعوا ضحكة شامتة على منشوراتهم، هذا فضلا عن أكل لحوم غيرهم وتشويههم بكلّ قسوة ودون رأفة. وما تأخذه إجراءات التّقاضي من زمن قد يطول لإثبات التّهم او نفيها لدى الجهات المختصّة ، لا يأخذ عند هؤلاء من الزّمن غير ما يكفي لكتابة جملة او نشر صورة تدين صاحبها وتتمنّي له المزيد:إنّكم بشر!! فكيف تتشفّون في غيركم من البشر؟! عندئذ، يسوقون حججا، لا تستقيم منطقا وعقلا.. لقد اجتاحت مشاعر الكراهيّة القلب ولم تبق على مساحة صغيرة للتّسامح.
ما الذي يجعل مواطنا يفرح للتّنكيل بمواطن مثله وقد لا تكون به سابق معرفة او دراية بحقيقة التّهم الموجّهة إليه غير ما يروّج هنا وهناك في شبكات التّواصل او في وسائل الإعلام؟
وكأنّ ما يروّجون له من أخبار مروّعة سيشفي الكرة الارضيّة من ازماتها.وفي الغالب يبنون من الحبّة قبّة وتتحوّل التّهمة إلى تهم وكأنهم يستعجلون رؤية غيرهم وهم يعانون. هل الخلل في غياب التربية على قيم المواطنة والتّسامح وما يتعلّق بها من حقوق، تحصّن كرامة الافراد؟ ام تراه في الأخلاق التي باتت تضيق بأصحابها إلى حدود الشماتة بغيرهم دون خجل وبكلّ قسوة، لا تجد لها مثيلا إلّا في عصور ما قبل الحضارة، عندما كان النّاس يتسلّون بمشاهد بشر عزّل على حلبة الموت وهم يواجهون حيوانات ضارية وسط تصفيق الجمهور؟ أم هي ازمة فكر غلب عليه التّعصّب خاصّة لدي من يعتبرون أنفسهم نخبا ؟
جميعنا نبت عهود من الإستبداد وإرث ثقافي يرى المجتمعات البشريّة مجرّد "رعيّة" ، لا ينصلح حالها إلّا بالعصا.لكن من العيب أن يبقى البعض سجين أفكار عفا عنها الزّمان. ولو اجتهدنا في التّسامح والقبول بالآخر اجتهادنا في إظهار مشاعر الكراهية، لكان حالنا أفضل.
لقد رسّخت الدّولة العميقة لدي البعض أفكارا خاطئة وبذلت من أجل ذلك المال والوقت ووظّفت أجهزتها لتجعل منهم شعبها العميق، لا يميّز بين السّلطة والدّولة ويعتبر حرّيّة الرأي والتّعبير وما ارتبط بهما من تعدّد في الرّاي خطرا داها على الدّولة، يذهب بهيبتها وربّما يعيق تقدّمها، مع إنّ التّجارب الحديثة، تقول عكس ذلك.