الشًعب السّوداني استجار بالعسكر للإطاحة بنظام الحكم الفاشي لعمر البشير، الذي جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري، وبقي في الحكم ثلاثين عاما، تقسّم خلالها السّودان على يديه وتعمّم الفقر على عموم الشّعب السّوداني ورغم ذلك لم يزهد في الحكم.
العسكر، لم يقصّر، فاستجاب لثورة ديسمبر وأطاح بنظام عمر البشير،وبدأ على الفور الترتيب لانتقال ديمقراطي، أفرز تقاسم السّلطة بين العسكريين والمدنيين بانتظار انتخابات، تفرز حكما مدنيّا خالصا.
ولكنّ " عبد الفتّاح البرهان" رئيس المجلس السّيادي، كان له رأي آخر، انقلب على الجميع، فحلّ مجلس السّيادة وحلّ مجلس الوزراء واعتقل رئيس الحكومة المدني "عبد اللّه حمدوك"، وشنّ حملة اعتقالات، شملت وزراء ورموزا حزبيّة وأقال جميع الولّاة وأعلن حالة الطّوارئ كما علّق العمل ببعض مواد الدستور وأبقى على بعضها حتّى يبرّئ حركته من تهمة انقلاب، يقول السّودانيّون بأنّه انقلاب كامل الأوصاف.
أمّا كيف برّر البرهان انقلابه، فلم يخرج هذيانه وسخافته عن عن سرديّة كل المنقلبين من قبله، يقول بأنّه فعل ما فعل من أجل "إنقاذ الدّولة" ومن أجل وضع حدّ للخلاف بين العسكريين والمدنيين.. في عرف المستبدّين، الخلافات، تحلّ بالإنقلاب ولا تحلّ بحوار، يكفل تجذير الممارسة الدّيمقراطيّة.
ينام البرهان اللّيلة وقد استحوذ على كلّ السّلطات بين يديه، بينما الشّعب السّوداني الذي استجار به ذات ديسمبر ليخلّصه من حكم عمر البشير ، فإنّه يستجير اللّيلة بالشّوارع والطّرقات والإعتصامات للإطاحة بمن غدر بثورته.
فهل تكون الشًوارع هي الملاذ الأخير للشّعب السّوداني لاستعادة حكم نصفه مدني ونصفه عسكري ومع ذلك لم يرض عبد الفتّاح البرهان، يريده حكما عسكريّا خالصا،لاينازعه عليه أحد، لقد طبّع مع إسرائيل، ولكنّه لم يصبر على التّطبيع مع الإنتقال الدّيمقراطي!! ضيق الأفق والفقر الفكري وقلّة التّربية على الرّأي المخالف تفعل بصاحبها ما فعله البرهان مع الشّعب الذي إئتمنه على ثورته.