بينما يمضي البناء القاعدي إلى الإنتخابات التّشريعيّة بقانون انتخابي جديد وتحت سقف دستور جديد. تراوح الأحزاب المعارضة للمسار برمّته مكانها، من غير محتوى، يضفي الجدّيْة على معارضتها. مكتفية بوقفة احتجاجيّة هنا أو هناك وظهور إعلامي باهت، يكشف عجزها، اكثر من تصميمها على استئناف المسار الدّيمقراطي دون العودة إلى 24 جويلية. لاشكّ أنّ القانون الإنتخابي عمّق محنتها وزاد من عزلتها، لأنّه قفز عليها كما قفز على كل الوسائط الأخرى وألغى وجودها بالكامل ، حيث لم يأت على ذكرها لا من قريب ولا من بعيد، فبدت خارج المشهد،لا تملك من أمرها شيئا، مكتفية بالمقاطعة، ثمّ الإنتظار والتّرقّب.
لا تبدو إمكانيّة التّقارب وتنسيق المواقف بين الجبهتين ممكنة في المدى القريب والمتَوسّط إلّا ان تحدث معجزة في غير زمن المعجزات. فالثّقة معدومة بين الطّرفين لأسباب كثيرة منها ما هو ايديولوجي، يأبى أن يندثر، ومنها ما هو سياسي، يعود إلى التّباين في تقييم عشريّة الإنتقال الدّيمقراطي وأسباب فشلها. ومازال ذات التناقض وذات الأحقاد اللّذان تسرّب منهما ما تتّفق الجبهتان على توصيفه بالإنقلاب،مازال قائما،ليستفيد منه من يتطلّعون إلى بناء منظومة جديدة، على أنقاض أخري قديمة .وإن كان هذا الجديد الهجين، لا يملك من أدوات التّغيير والتّمكين غير الأمل وانتظار القدر.
سيكون المفسرّون ومن والاهم في طريق مفتوح لشغل مقاعد البرلمان. دون أن يكون لهم وجود قانوني كحزب او منظّمة، مستفيدين من حرّيّة الحركة ومن من مقاطعة أكبر جبهتين معارضين ومستفيدين أيضا من ضعف أحزاب الموالاة، كما استفادوا سابقا من كلّ التّناقضات، بين الأحزاب .
لا يبدو أنّ أحزاب الموالاة، قادرة على تحقيق اختراق يذكر في الإنتخابات القادمة. ولن يكون حالها افضل من أحزاب المعارضة، فهي من جهة، أمام تحدّي تأمين التّزكيات اللازمة، إلّا إن وقع التّساهل معها. ومن جهة أخرى، ستكون في مواجهة عزوف شعبي عن الإنتخابات، كانوا طرفا في تغذيته بترذيل المشهد السّياسي والنّيابي وتحويله إلى حلبة عراك،
ومن جهة ثالثة وهي الأهمّ، لن تكون استثناء في منظومة جاءت على خلفيّة مناهضة الاحزاب وإحالتها على التّقاعد الوجوبي. مثير للسّخريّة قول بعضهم (حزب موال ومناشد) إنّهم مع 25 جويلية، ولكنّهم، ليسوا مع مضامينه!! فأيّة مضامين يردون ؟ لاشكّ أنّ المضمون الذي كانوا ينتظرونه، ليس أقلّ من تشريكهم في هندسة المشهد الجديد، وإذ لم يحصلوا على ما يريدون فلن يكون أمامهم في قادم الأيّام سوى التّلهّي بتوليد الحقد من الحقد.