فاضت روح ريّان الطّاهرة إلى بارئها، بعد أكثر من خمسة أيّام، ما يقارب مائة وعشرين ساعة، قضّاها في بئر عميقة وجافّة، ساقته الأقدار إليها، بلا ماء وبلا طعام وفي درجة برودة ورطوبة، لا تتحمّلها أجساد كبيرة، فكيف بجسد صغير؟
قيل إنّ فرق الإنقاذ زوّدته بالماء والأكسجين ، لكن هل كان ريّان الصّغير في وضع يسمح بتحريك يده الصّغيرة والمرتعشة وجعا و خوفا ليستفيد ممّا ألقى إليه؟ما أقساه من مشهد وما أشدّها من محنة، ترتعش الأبدان لمجرّد تخيّلها، وتنفطر القلوب !! فكيف بالصّغير الذي توجّع وبكي وصرخ مستوحشا من ظلمة المكان؟
رحل ريّان عن هذا العالم و"لكلّ أجل كتاب"، بعد إن تكثّفت عناصر محنته وقبل أن تدركه أيدي المنقذين وفي جسده الصّغير بقيّة من حياة، على أمل أن يقع إسعافه. رحل ريّان وهو لا يدري أنّ العالم كلّه ، كان معه، يتابع مراحل محاولة إنقاذه لحظة بلحظة. رحل ريّان الصّغير وهو لا يدري أنّ محنته تصدّرت نشرات الأخبار في العالم وضجّت بها شبكات التّواصل، وحظي بما لم يحظ به إنسان قبله باجتماع النّاس على الدّعاء له بالخير والنّجاة من كرب عظيم، و للّه حكمة فيما جرى وفيما قضى. رحل وهو لا يدري أن صرخته "أخرجني يا أبي"، قد شقّت ظلمة بئره و تجاوزت قريته الفقيرة في "شيفشاون" لتصل إلى كلّ أرجاء المعمورة وتعاطف معه في محنته إلى حدّ البكاء، كلّ أمّ وكلّ أب وكلّ صغير...ولكن لا رادّ لقضاء اللّه.
لكأنّ قدر ريّان الصّغير ان تكون محنته ونهايتها المأساويّة رسالة إلى البشرية، لتلتفت إلى نظرائه من أطفال العالم وهم يموتون في آبار الجوع والمرض و القتل في بؤر التّوتّر والنّزاعات المسلْحة. لعلّ حياة ريّان القصيرة فيها من الدّروس ما يكفي للبشريّة لتزيل أتربة القسوة والإهمال واللّامبالاة عن إنسانيتها، ماذا كان يكلّف الدّولة وأهل القرية لو ردموا بئرا جافّة؟!
كم من ريّان في اليمن وفي غزّة وفي سوريا وفي ليبيا وفي ميانمار وفي مخيّمات اللجوء، يعيشون تحت البرد، بلا ماء وبلا طعام وبلا دواء وبلا تعليم وبلا هويّة أحيانا؟! كم من ريّان وُئد ومازال كثر يتعرّضون للوأد يوميّا تحت الأنقاض بفعل توحّش البشر؟! صرخة ريّان الصّغير، أدّت ما عليها واخترقت جدار الصّمت في العالم على جرائم القتل متعدّد الأشكال، يقترفها بعض البشر بحقّ الطّفولة.