طلقة وعي، وطلقة نار..

Photo

تابعت بعض التعاليق حول إيداع الداعشيّ (المتّهم) ابن العميد فتحي بيوض بالمستشفى العسكريّ، حالة من الهستيريا والاستياء تصل إلى حدّ المزايدة بالوطنية والاستثمار المكثف في الدماء و المرابحة في الأحزان والنكبات، الضجيج والصوت العالي كثيرا ما يعبر عن رغبة في الاستيلاء على الموقف وتحويله إلى مجرد حالة منائحية عارمة، كي لا نمنح العقل فرصة القراءة الهادئة للحدث بعيدا عن التوظيفات والمزايدات..

من الواضح بداية أنّ هذه الحملة ليست فقط بسبب إيوائه في المستشفى العسكريّ، وإنّما هي بسبب معالجته من حيث المبدأ، فهذا المتهم، في نظر الكثيرين لا يستحق الحياة، فضلا عن العلاج، وبمنطق الانخراط في الحرب على الإرهاب، ينخرط هؤلاء في بثّ أفكار انتقامية وغرائزية متوحشة وثأرية بدائيّة، تشرع للتعذيب وحتى للقتل خارج إطار القانون، لفئة من الناس، بتهمة الإرهاب، وكل من يعترض على أساليبهم البربرية المتخلفة المفلسة أصلا في مقاومة الإرهاب، بل والمنتجة لكثير منه، كل من يرفع صوته للاعتراض على هذه الممارسات ، يجد التهمة حاضرة ومفصلة على المقاس: أنت إرهابيّ، أو تبيّض الإرهاب، أو في الحدّ الأدنى متعاطف مع الإرهاب.. أودّ هنا أن أشير إلى بعض المعطيات التي عادة ما يقع تغييبها في مثل هذه الوضعيات:


1- مهمّة الدولة ليست الانتقام ولا الثّأر القبليّ ولا التصفية خارج إطار القانون ، ولو كان الأمر كذلك لما احتجنا إلى دولة أصلا ، فهذه السلوكات الغابية تكون أنجع ما يكون عند غياب الدولة، مهمة الدولة التعاقدية هي تحقيق العدالة بأدوات العدالة، التي تفترض أنّ المخول الوحيد بالإدانة هو القضاء، الأمن يمكن أن يشتبه في الناس، فيوقفهم حسب ما تقتضيه الإجراءات، لكنهم يظلون مواطنين كاملي الحقوق إلى أن تثبت إدانتهم في محاكمة عادلة تتوفر لهم فيها كل شروط النزاهة.

2- حتى المجرم المحكوم بالإعدام، تبقى الدولة مطالبة بحمايته ومعالجته إلى أن يحين موعد إعدامه، نعم على الدولة أن تبذل كل ما تستطيع لإنقاذ حياة المحكوم بالإعدام، ثمّ بعد ذلك تعدمه حسب ما تجري به الاجال والقوانين.. وهذا هو المعنى الأسمى لاحترام حق الحياة لكل إنسان.

3- ليست مشكلتي أن يعالج هذا الشخص في المستشفى العسكري أو في غيره، إذا كان هناك ما يمنع قانونا معالجته في المستشفى العسكري فيجب النظر إلى ذلك من هذه الزاوية، لا من زاوية حقه، وحق المجتمع في معالجته.. نعم حق المجتمع، لأن هذا المتهم، قد تثبت براءته لاحقا ، فنكون احترمنا حقوق المواطنة ، وقد يثبت جرمه ويكون من حق المجتمع أن يستفيد بما سينتزع منه من معلومات ومخططات تساعد في الحرب على الإرهاب.. كثيرون لا يفهمون أنه عليك أحيانا أن تحرص على حياة عدوك، لأنها تكون أثمن من موته بكثير.

4- رابعا، وهو الأهمّ، محاربة الإرهاب لا تكون بأفعال من نفس جنس الإرهاب، لأنه عندها ستصبح الدولة هي المحتكرة للإرهاب، وإرهاب الأفراد أو الجماعات، حتى الداعشية، أقل خطرا بكثير من إرهاب الدولة، لسبب بسيط، هو أننا نقاوم الإرهاب الأول بالدولة، وبالدولة وحدها لدينا فرص القضاء عليه، أمّا إذا كانت الدولة هي الممارسة للإرهاب فبماذا سنقاومه؟ ستكون وقتها حرب الكل ضدّ الكل واهم و زاعم من يدّعي أو يعتقد أنّ الحرب ضدّ الإرهاب هي حرب بالأسلحة في الميادين وكفى، هي حرب قيم ومبادئ كونية و صراع بين الحق والباطل بالمعنى الحقيقي للكلمة ، طبعا الرّدّ الصاروخي المزلزل على هذا الكلام جاهز عند الكثيرين حتى قبل أن يكملوا قراءة هذا الكلام، سيقولون لكنهم لا يحترمون القانون، فإذا لا يجب أن نعاملهم بالقانون.. منطق بقريّ عجيب؟ وهل جعل القانون خصيصا لمن يحترمون القانون؟؟؟ سيقولون: هم لا يحترمون الحق في الحياة إلخ.. طيب هم يصفّون أحقادهم بوسائل التوحش، فماذا ستفرق الدولة عنهم إذا اتبعت نفس الوسائل، سيقولون الدولة على حقّ، وسنقول: هم أيضا يعتقدون أنهم على حق، فهل يمنحنا هذا الاعتقاد الحق في اعتماد نفس أساليب العدوّ المجرّمة؟ بيننا وبين العدوّ مسافة طلقتين: طلقة وعي، وطلقة نار سلام على قوم يعقلون.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات