من مظاهر الخور المنهجيّ في مناقشة الكثير من القضايا، أن نترك الحديث في الوقائع، وننصرف إلى تعداد مزايا الشّخص أو المنظّمة أو الحزب، ونسهب في التّغنّي بتاريخه ومواقفه القديمة، وكأنّنا نعطي نوعا من العصمة والحصانة لهؤلاء…
مثال ذلك ما أراه في الكثير من الخطابات والنصوص التي تدافع عن حراك المحامين ... يذكّروننا بنضالات المحامين وبطولاتهم في عهد الاستبداد، وهذا حديث مضلّل من النّاحية المنهجيّة، فأفضالهم السّابقة - إن كانت لهم أفضال - ليست عملة تصرف في كلّ سوق ...
هذا الكلام مغلوط أيضا من النّاحية الواقعيّة ... صحيح أنّه كان هناك عشرات المحامين الّذين وقفوا مع المضطهدين وحملوا شرف المهنة، ولكن بالمقابل كان هناك مئات وربما آلاف من المحامين الّذين استفادوا من تلك المذابح القضائيّة، وملؤوا كروشهم من جيوب الشّعب الجائع المفقّر، وأنا أتذكّر جيّدا ...
أتذكّر عائلات الضّحايا التي باعت كلّ ما تملك في سبيل توفير أجرة المحامي، سنوات الثمانينات والتّسعينات ، وكان أغلب أولئك المحامين يعرفون مسبقا أنّ الأحكام تأتي جاهزة من الدّوائر الحاكمة، ولم يحتجّوا ولم يسجّلوا أيّ موقف... بل اكتفوا باستنزاف الأهالي مقابل كلمات قليلة هزيلة عديمة الحيلة... فرجاء ، لا تخلقوا لنا أساطير من أوهام...
المحامون هم أيضا جزء من الشعب التونسيّ الّذي مسّته أمراض الاستبداد كغيرهم، فركبوا في معظمهم على مصائب الناس وباعوا واشتروا فيها وتاجروا في كلّ شيء، وكان منهم من كان شريكا للفاسدين عن طريق ابتداع الحيل القانونيّة أو الدّفاع عن مصالحهم وتطويع القانون لأصحاب النفوذ والمال… دافعوا عن حقّكم في مسألة الجباية، إذا كنتم مؤمنين فعلا بهذا الحقّ، ولا تمنّوا علينا بأيّ شيء، فنحن لم نعرف في هذا البلد من حكّ جلدنا بظفره، إلاّ القلّة القليلة التي نحفظ لها العهد ونصون الودّ …
كلّ قطاع يريد أن يصوّر نفسه على أنّه شعب الله المختار، ويريد أن يكتّفنا بأفضاله… لا أفضال لكم علينا، ولا فضل لنا عليكم … فلننزل إذن إلى السّاحة متساوين أندادا ، ولنقف أمام القانون والمصلحة والواجب متساوين أندادا ،