خَالْتِي الزَّازْيهْ وعمْ العَرْبِي

Photo

خالتي " الزّازية " ( هكذا كنّا نناديها ، وقد سمّيت على اسم الجازية الهلالية وما أدراك)
خالتي الزّازية ، كانت ملجأنا الوحيد ، ونحن صغار ، حين كنّا نريد أن نشكوَ من أيّ شيء ، حتّى من طوب الأرض ،

كنّا نلعب الكرة في " الحصيدة " ، وما أكثر ما تتعالى الأصوات ويدبّ الخلاف ويستبد القويّ منّا على الضّعيف ، فيلجأ الواجد منّا إليها باكيا ، شاكيا و ببضع كلمات ولمسات لها ما يشبه مفعول السّحر ، كان يعود إلى أصحابه راضيا ، وقد نسي أصلا ما ذهب يشتكيه ومن تعدّى عليه ..

أحيانا كان الواحد منّا يكتفي فقط بأن يطرح شكواه ، ولا ينتظر حتّى أن تجيبه بأيّة كلمة ، بل يعود راكضا قافزا وقد نسي ما ذهب من أجله ..

زوجها ، كان كثيرا ما يتحرّش بنا ، فيفتكّ منّا الكرة أحيانا ، لأنّنا أزعجنا قيلولته التي تمتدّ إلى ما بعد العصر وحتّى بشائر الغروب ، وأحيانا يتّهمنا بأنّنا نزعج كلبه ، الذي ظلّ لشهور ، عاجزا عن التّعوّد علينا والاستئناس بحضورنا ، فكان لا يكفّ عن النباح طيلة فترة لعبنا ، وكلّما تعالت صيحاتنا ، تعالى نباحه وهريره …

أحيانا كنّا نلجأ إليها لنشتكي زوجها حين " يغلّب علينا " ، فتقول لنا : " ما يهمّكمش فيه ، ماكم تعرفوه عمكم العربي ، عيبو الوحيد الّي قلبو حنين وصافي ، ويحبكم كي ولادو .. خلّوه يهدأ و يبرد تو يرجّعلكم الكورة وحدو وحدو.. "

ونظلّ ننتظر دقائق طويلة ، ونحن كاليتامى أمام "عشّته " ، ننتظر أن يحنّ قلبه و يبرد كما قالت " خالتي الزّازية " ، حتّى نيأس و ينصرف كلّ منا إلى بيته خائبا ، يلعن في سرّه " عم العربي " الحنين اللّي يحبنا...

في الليل ، كنّا ننام مطمئنّين واثقين أننا سنجد الكرة عندها في صباح اليوم الموالي ، فيزداد تقديرنا لها كلّ يوم وإعجابنا بها ، إذ كيف استطاعت أن تنقذ الكرة مرّة أخرى من بين مخالب ذلك الوحش الذي لا يرحم ،

الحقيقة أنّنا لم نكن نفهم أبدا لماذا كانت تقول عنه ذلك الكلام ؟ هل لأنّها فعلا تعتقد ذلك ؟ أم لأنّها لم تكن تتجرّأ على معارضته أبدا في أيّ أمر حتى ولو كان ظالما ، أم لأنّها كانت تريد أن تحافظ له على مكانة في قلوبنا ، تجتهد في إقناعنا بها رغم كلّ شيء ...

مع الأيّام ، كبرنا وصرنا نسمع في التّليفزيون ، المذيع يسأل النّجم المتأنّق أمامه أن يذكر له عيبا من عيوبه ، فيقول له : عيبي إنّي حسّاس آوي ، أو إنّي طيّبة زيادة عن اللزوم ، أو إنّي ما عنديش حقد أبدا على أيّ أحد ... ؟؟

إذا كانت هذه هي العيوب ، فماذا تكون المحاسن يا أولاد الكلب ؟؟؟

بعض الناس ، أو كثير منهم ، في كلّ المجالات ، في الحياة اليوميّة ، كما في الشعر والأدب والفنون والسياسة ، تسمعهم يتحدّثون عن تقبّلهم للنّقد ، وكيف أنه لا يزعجهم ، بل إنه يساعدهم على التّطوّر و بلا بلا بلا ... لكنّهم في الحقيقة ، مفهومهم للنقد ، لا يختلف كثيرا عن نقد خالتي الزّازية لزوجها ، عم العربي...

يريدون أن يسمعوا نقدا من نوع : " أنت عيبك الوحيد أنّك باهي وقلبك حنين و ديموقراطي و نظيف ياسر أكثر من اللاّزم ، و تثق في الناس ووووووو ... "

رحم الله خالتي الزّازية ... كان عيبها الوحيد أنّها لم ترَ عيوب " عم العربي " أبدا .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات