النغمة التي تعزف عليها الكثير من وسائل الإعلام هذه الأيّام:
الباجي يستعدّ لبعث حزب جديد…
يأتي هذا في إطار التّهوين من كارثة تشظّي نداء تونس وتلاشيه مثل غبارفي السّماء (وهي فعلا كارثة على تحالف الرّجعيّة النوفمبرية والبورقيبية واليسارية البائرة( ما هو الأثر المقصود من الإلحاح على مثل هذا الخبر وتكراره حتّى يملأ عجيجه الآذان ؟
المقصود هو إعادة خلق نفس الحالة الجماعيّة، حالة التّقبّل المرضيّة الغريبة لدى المريديدن البجابيج، والمتمثلة في أنه مادام مبعوث العناية الإلهية حيّا يرزق، فإنّه قادر دائما بنفخة من روحه أن يهب الحياة من جديد متى شاء ومن العدم، في حزب آخر قويّ ومتفوّق يقلب الموازين بمجرّد بعثه والإعلان عن ولادته …
أليست تلك هي اللّعبة الدّعائيّة ذاتها التي رافقت تأسيس نداء تونس؟
تذكّروا ... يوم الإعلان عن تأسيسه وقبل حتّى أن يودع ملفّه لدى وزارة الدّاخليّة، عزفت الأوركسترا وأشاعت في النّاس أنّ عدد منخرطيه في اليوم الأوّل قد بلغ 100 ألف ... وكلّ كذبة يمكن أن تصبح حقيقة قاطعة إذا كرّرتها بشكل منهجيّ مدروس وجعلتها إحدى البداهات الّتي تنطلق منها دائما في تحاليلك، فيتقبّلها المتلقّي بشكل غريزيّ ... الإعلام الأسود يتكفّل دائما بتحويل الأكاذيب الكبرى إلى حقائق كبرى هم يستعدّون الآن لإعادة خلق نفس الايحاءات المضلّلة لتكرار نفس اللّعبة،
وبنفس الأسلوب ، وليس بدافع الغباء ، بل بوعي وإدراك تامّ للحالة الذّهنية والنفسية العامّة للتّونسيّ، وبقناعة كاملة أنّها سوف تنجح مرّة أخرى…
نداء تونس صار ورقة محروقة،
والانتخابات على الأبواب، والمنظومة القديمة منقسمة ومكشوفة للعراء، بعد أن عرّتها تجربة الحكم وهرّتها وكشفت أكاذيبها وانتهازيّتها وسقوطها المدوّي على كلّ المستويات ... ما العمل؟
الحلّ في جراب الحاوي، يخرج من جرابه الأفعى ويلاعبها بمزماره، فيتجمّع حوله السذّج والفضوليّون وينجذبون إليه ويصفقون ويدفعون …
الحلّ في بعث كيان جديد معبّر عن نفس المصالح التي خلقت نداء تونس، ليس مهمّا أن تكون فيه شخصيات سياسية وازنة، فالإعلام سيتكفل بخلق النجوم والقيادات الكبرى كما فعل مع النداء، فمتى كان مرزوق أو العكرمي أو بنتيشة أو منذر بلحاج علي أو كسيلة أو القطّي شخصيات سياسية من الصف الأول ولها وزنها وحضورها؟؟ الإعلام جعلها رموزا وقيادات وشخصيات مؤثرة، والناس انخدعوا بكل بساطة بذلك …
نفس ما سيفعله مع الحزب الجديد، وهم يعرفون أنّ هذا الشعب تسكنه روح خالتي مباركة، روح ساذجة غبيّة، يسهل خداعها بدمعتين وكلمتين من شيخ فهلويّ، وشويّة حنين للبورقيبيات، وبضع آيات مستهلكة خارج كلّ سياق... أمّا بقية الفئات اليسارية الحاقدة والتجمعية والرأسمالية الفاسدة، فإنّ المصلحة كفيلة بأن تجمّعها ولو حول قرد منتوف…
الأمر جدّيّ وليس مجرّد تفليم إعلاميّ... للأسف ... نحن قوم قابلون لأن نلدغ ألف مرّة من نفس الجحر !!!
سينجحون مجدّدا في أن يبيعوا لنا القرد، ويضحكوا على من يشتريه... لك الله يا شعب الدّراويش!