نُخَبُ الفساد والاستبداد.

Photo

أنا بدأت أستوعب، بكثير من الذّهول والألم وبكثير من القسوة على قناعات يقينيّة سابقة، بدأت أستوعب أنّ مأساة تونس، ومن ورائها بقيّة البلدان العربيّة الجنيسة لم تكن الدّيكتاتوريّة…

كنت أظنّ سابقا أنّ الاستبداد هو رأس كلّ داء، وأصل كلّ فساد ومبعث كلّ شرّ ... لكنّني أشعر اليوم بعد تجربة ستّ سنوات من عمر الثّورات العربيّة أنّ الاستبداد كان صنيعة نخبة مجرمة مريضة مشوّهة حضاريّا وأخلاقيّا وإنسانيّا، هذه النّخبة، هي الّتي خلقت الاستبداد وضمنت له شروط البقاء والاستمرار وليس العكس، الدّليل أنّ رأس الاستبداد سقط في تونس في ظرف شهر أو أقلّ، لكنّ نخب الاستبداد لم تسقط وبقيت تناور وتحارب حتّى أعادت أغلب عناصر المنظومة القديمة، ومازالت تسعى باللّيل والنّهار إلى استعادة زمن كامل بكلّ سرديّاته ومقولاته وحالاته وأوهامه، زمن بورقيبة الزّعيم والمحرّر والأب الرّوحيّ، وزمن بن علي المنقذ ورجل الدّولة الوطنيّ وصانع المعجزة الاقتصاديّة…

لدينا نخبة استعماريّة مجرمة هي أخطر بكثير من الحكّام وجيوشهم وبوليسهم، والحرب بيننا وبينهم ستكون طويلة جدّا…

الثورة الفرنسيّة استمرّت لما يزيد عن مائة سنة من التّصفيات الطّبقيّة، الثورة التونسيّة قد تحتاج أيضا إلى مائة سنة لمعركة من نوع آخر معركة التّحرّر من نخب الفساد والاستبداد، معركة تصحيح التّاريخ وتطهير الوعي واسترجاع مقوّمات النّهوض والكرامة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات