صباحات الفايسبوك تبدأ هادئة خاشعة، مثل بحيرة جبليّة ساكنة، توشّحها الآيات و الأدعية المطرّزة بخطوط عربيّة ذات فخامة ومهابة، وصور الورد الجوريّ وكؤوس القهوة في الأطباق المذهّبة، وأغاني فيروز الحالمة وباقات من الأمثال والحكم المضمّخة بعطر التّفاؤل ورائحة المستقبل …
الكلّ طيّبون مسالمون متفائلون، قانعون وزاهدون وحالمون وغافرون ومستغفرون، ... الكلّ عقلاء وحكماء وأنبياء... الكلّ شعراء…
مع تقدّم ساعات النّهار يبدأ المزاج في التّغيّر، يعود القلقون إلى تدوينات اليوم الماضي والأيّام السّابقة، يقلّبونها ويسخّنون الثارات الباردة، ويتذكّرون معركة هنا ومعركة هناك وتفصيلة هنا وتفصيلة هناك وجب الرّدّ عليها وبكلّ حزم، يسارع الفايسبوكيّ الهمام إلى القصف المتعدّد في اتّجاهات مختلفة وهو مطمئنّ إلى أنّ الرّد لن يأتيه فوريّا في أغلب الظّنّ....
في اللّيل يتغيّر المشهد، فيصبح الفايسبوك في يدك والتّلفاز أمامك، ويصبح ما يعرض من كوارث ومذابح أخلاقية وذوقيّة وسياسية وجماليّة موضوع التّدوين الرّئيسيّ، وترتفع حرارة الوجوه والأدمغة والأصابع ويرتفع الضّغط وتتوتّر اللّغة ويتصاعد قرع الطّبول و ويتسارع الإيقاع والرّكض من الجانبين وعلى الأطراف ، و يتعالى السّباب والشّتائم والبصاق والضّراط، وتتشابك الأيدي عبر الأثير وتنفجر البالوعات ويتصاعد الدّخان من البيسيات ويسقط الشّهداء …
بعد منتصف اللّيل… تهدأ الحركة في التلفاز، ويعودون إلى بثّ الحلقات الماضية من المسلسلات التركية المغمّسة بنار العشق والشوق والشبق والدموع، وإلى الأشرطة الوثائقية الهادئة عن تكاثر الزّهور والفراشات، وإلى الابتهالات العميقة المرفقة بصور البجع المهاجر وزهرات الفول الربيعي تتفتح بدلال وفتور، وجبال الثلج العائمة في أقاصي الشمال تتساقط بكبرياء في البحيرات البعيدة وتذوب رويدا…
رويدا …
رويدا …
ترتخي أعصابنا وأفكارنا وأحزاننا، ونتداعى كأحصنة من غبار… نقرأ سورة أو سورتين ونستعيذ من الظلام ومن شياطين الفايسبوك ثمّ نحتضن دباديب أحلامنا وننام نوم الملائكة.