فــي الصُّـــورةِ شَــخْصٌ يُـــشْبِهُنِي ..
مَـــدَرِيُّ اللَّونِ ، نَـــحِيلٌ ، نِصفُ طَوِيـــلٍ ، مُكْتَـــهِلُ ..
فــي الصُّورةِ وَجْهٌ أَعْــــرِفُهُ ،
أَنْــــفٌ جَبَلِـــيٌّ مَعْقُوفُ ..
عَيْـــنانِ بِــلا أَلَـــقٍ بادٍ ، وجَبِـــينٌ صَــلْدٌ مَكْشُـــوفُ ..
شَــفَةٌ ظَمْيَـــاءُ عليها المـــاءُ و لا تَشْـــرَبْ ..
فــي الصُّورةِ صيّادٌ مُتْعَـــبْ ..
وأرانِبُ تَحْتَ عُرُوشِ التُّوتِ تنامُ فَيَرْهَفُ حَدُّ غَرِيزَتِهِ ،
لكنّهُ يَكسِرُ أَنــيابَ الذِّئْــبِ المُــتَرصِّد في دَمِـــهِ ،
إنْ هَـــمَّ بِها أَو مَـــدَّ لــها مِخْلَــبْ ..
في الصُّورةِ يَسْكُنُ ذاكَ الوَجْهُ حزينا مثلَ طَريقٍ مَهْجُورِ
الصِّـــبْيَــةُ نامُـــوا دونَ غِنَــــاءٍ …
والأَحــلامُ بِأَعْيُنِــهِمْ كَزُجــاجٍ مَكْسُــورِ
و عَــلى طَرَفٍ في البــالِ حِبــالٌ من زَمنٍ تتَــدَلَّــى ..
تَسْفُلُ ، تَــعْلُو ، تَــغْمِــسُ ريشَتَــها …
فــي العَتْمَــةِ حِيــنًا أو فــي النُّــورِ
وَكــانتْ تِــلكَ خَطِيــئَتَــهُ الأُولــى ..
أن يُولَــدَ طِفْــلاً شَــرْعِيًّــا …
وَيُسَمَّى أَحْمدَ ، أَوْ هارونَ ، وعبدَ اللهِ وَيُوسُفَ أو عُثمانَ
وَيُنْسَبَ مثلَ أَبِيهِ لِفاطِمةٍ وَعَلِيٍّ ، أَو للدَّاخِلِ أَوْ للمنْصُورِ
وبَكــى المَولُــودُ كَمَــا يَــبْكِــي الفُــطمَاءُ ،
بِعَيْنٍ تَعْرِفُ أَنَّ حَلِيــبَ الحُــرَّةِ فَــاضَ وَغَــاضَ ،
وأنَّ علــى شَفَتَــيْهِ حَمــائِمَ من حَــلْمَتِــها ،
أَلْقَتْ رِيشاتٍ ثمَّ مَـضَتْ كالحُــلْمِ سَــريعًا خَــلفَ السُّـورِ
كبُــرَ المَــنْبُـــــوذُ ولــم يكبُــرْ
وتَـحقّــقَ نصفُ اللَّعنةِ : صارَ يواعِــدُ نجمَــتَـه الأولــى
ويُــحَـدِّثُــها عـن أرض تخنُــقُ ما تلِــدُ
ومُسُــوخٍ ليس لــها عــددُ
وتَعَلَّــم قَبل جُنُونِ الحِـكْمَةِ رقْـصاتِ الطَّـيْرِ المَـذبُــوحٍ
ولملمةَ القلب المكسورِ…
كبُــرَ المَــنْبُـــــوذُ ولــم يكبُــرْ
صَــارَ يَجُــوسُ بِقَلْبِــهِ بَيْنَ الأَمْــواتِ
شَبَــحًا مَــنْسِــيًّا نِصْــفَ سَــلِيــخٍ …
يَــرْكُــضُ بَــيْنَ حدودِ النَّكْبَــةِ والنَّكَــساتِ ،
جُــرحًا يَمْتَــدُّ كنهرِ دمٍ ..
من " سَايْــكِسْ بِيــكُو " إلى " أُوسْــلُو" …
وَكِــلاَبُ اللَّيْــلِ شَــوارِدُ كم وَلَــغَتْ ، …
حتّى طَمَــسَ النَّجْــمُ المُتَــوحِّدُ في عَــلْيائِـــهِ والبَصَــرُ …
وَتَــراخَى اللَّيْــلُ هُنا فَــاحْــذَرْ …!
يَــا آخِرَ نَسْــلِ النَّكْبَــاتِ …
يَأْتُونكَ حيثُ تَكونُ : حُكُومَاتٍ ، دُوَلاً وقَـبَائِلَ بَــائِدَةً ، ..
يَجْتــاحُكَ إِعْصَــارٌ ضَــوئِيٌّ حينَ تُــلاَمِــسُ بابَ الله ،
تُــوَحَّــدُ أَنْظِمَــةُ الرَّادارِ ، وَتُــطْلَــقُ صَفَّاراتُ الإِنْــذارِ
وتُفَــكُّ على عَجَــلٍ شِفْراتُ جَمِـيعِ الأَقْنِــيَةِ الإِخْبَارِيَّــهْ
فِــي الصُّــورَةِ أَيْــدٍ عَــرَبِيَّــهْ .. !!!
تتَــقدَّمُ كُلُّ جُيُـوشِ الأَرْضِ وَتُنْفَـخُ في المعمُورةِ أَبْـواقُ
وتُلَغَّـــمُ كلُّ ممَــرَّاتِ النَّمـــلِ البَشَـــرِيِّ ،
تُــحَزُّ بِظِفْرِ المَاردِ أَعْنَــــاقُ ..
تتَـــوالى نَـــشْــراتُ الأَخْبَــــارِ على عَجَلٍ ،
هَــذا عَصْـــرُ الــذِّلَّـــةِ ..
ليسَ لكم من بَعْدِ التَّـــوبةِ إِلاَّ الأَرْزاقُ !!..
كَانوا في البَدْءِ رُعَاةً لمْ يَنْجُوا من أَلْعابِ القَتْلِ على
الفِيدْيُو،
وَتَــغَيَّرَ شَكْــلُ اللِّعْبَـةِ ، …
فِي ظُلُمَاتِ " أَبُو غْرِيبٍ " زَمَــنٌ منْ كُلِّ الظُّـلُماتِ…
كَــانَ الجُــنْدُ سَكَــارى بالــدَّمِ حَــدَّ الـرَّحْمَــةِ
عَــادُوا يَغْــتَرِفُــون اللَّذَّةَ من نسْــغِ اللَّحــمِ الــرَّخْــوِ
فَــلْيُـرْفَعْ هَــذَا الــقِرْدُ علَى وَتَــدٍ ،
وَلْيُصْلَبْ ذاكَ عَــلى فَخِذِ الجُنْدِيَّةِ سَيِّــدَةِ النَّهْــرَيْنِ ،
وَيَــرْقُصْ كَــلْبُ المــاءِ كَــما وَلَــدَتْهُ اللَّــعْنةُ،..
رَأْسُهُ مُــنْسَدِلٌ يَتَـأَرْجَحُ يَــنْطَحُ خِصْيَتَهُ، وَيَــداهُ مُقَيَّدَتَـانِ
وَخَلْفَــهُ جُنْديٌّ يَتَشَمَّــمُ أَسْفَــلَ ظَهْــرِهِ ،…
يَنْسَــكِبُ الــزَّيْتُ المَغْلِــيُّ
و تَمْتَلــئُ السَّــاعاتُ بِــرَقْصِ ضَفَــادِعَ تَحْتَــرِقُ…
شُــكرًا للجُنْــدِ ، … لَقَــدْ صَدَقُــوا
شكــرًا للجُـنـدِ جَزِيــلاً ، لمْ يَعِدُوا إِلاَّ صَــدقُوا..
صَبَغُوا الأَطْفَالَ بِلَونِ الوَرْدِ ،
وَ أَجْرَوْا فَوْقَ حُقُولِ القَمْحِ أَصابِعَهُمْ
وَعَــدُوهم بالعَــرَبَاتِ المَسْــحُورَهْ..
وَقَنَابِلَ من حَلْوًى وضِياءٍ ، مِثْلَ شَـمارِيخِ الأَعْيَـادِ
تَفِيـضُ وَتَـأْتَلِقُ
شُــكرًا للجُنْــدِ ، … لَقَــدْ صَدَقُــوا
مــنْ كَــانَ سيعــرفُ لَوْلاهُمْ ؟
أنّ أباهُ الطّيّبَ إِرْهَــابِي …؟
مــنْ كَانَ سيعرفُ منهُمْ ســاعةَ يَغْــفُو تَحْتَ جَــناحِهِ ..،
أنّهُ يَــأْخُذُهُمْ في بَــرْدِ اللَّـــيلِ رَهِينــهْ ،
يَــسْرِقُ غَفوتَهُم ويُعرِّيــهم ،
مـنْ كَانَ سيعرفُ أنَّهُ فـي أَكْيَاسِ الحَلْوى،
في ضحْكاتِهِ أَو دَمْعــاتِهِ ..
فِـي ضَمَّــاتِهِ وهو يُــوسِّدُ رأْسَــهُ لَـيْلَ جَدائِلـــهِمْ ،
أو في لَمْسَــاتِهِ ، فِي رَجْفَـاتِهِ ، …
في رَقْصَاتِهِ وهو يُطَاوِلُهمْ فوقَ الكَتِفَيْنِ ،
ويَحْني ظَهْرهُ كَـيْ يَعْلُــوهُ
وفِـي صَلَواتِهِ وهو يُناجِي ربَّهُ بالزَّيْتُـونِ وَطُورِ سِينِينَ ،
وفِي سَاعاتِهِ ، يَــغْسِلُ قبْـلَ المَوتِ تُرابَ الحَقْلِ ،
وفــي سَكَراتِهِ ،
مـنْ ذَا كَــانَ يُــصَدِّقُ أَنَّــهُ إِرْهَــابِي ..!!؟
لــوْلاَ زَخَّــاتُ الــنَّارِ عـلى الْبَــابِ ..
طَــلَقَــاتٌ أَشْعَــلَتِ الــوَرْدَ الغَــافِي ،
وَ تَهَتَّــك سِتْــرُ الزَّنْبَـــقِ في لَحظــاتٍ ..
مَرَّ الجُنْدُ إلى غُرَفِ النَّومِ ، اِحْتَقَنتْ في الأعْيُنِ شَهوتُهُمْ…
وَعَــوى الذِّئْــبُ الجَبَليُّ ،
عَــوى الذِّئْبُ الجَبَليُّ عَوى الذِّئْــبُ الجَبَــليُّ
عَوى الذّئْــبُ الذّئْــبُ الذّئْــبُ الجَبَلِيُّ عَوى الذّئْــبُ ..
وتَطَــايرَ فــوق الأَلْــحِفَةِ البَيْضــاءِ ، نثَــارُ أَصــابِعَ
واصْطَبَغَــتْ بَقَــعٌ حَمْراءُ على البــابِ
اللّيلــةَ مات الإِرْهَــابي …!
اللّيلَةَ تنهضُ يا "دُوفِينِي" لِـتُعِيدَ كِـتَابَةَ " موتُ الذِّئْبِ "
أَيُــوجِعُكَ القَمَــرُ المُـتَكَسِّــرُ في عَــيْنَيْهِ ؟
وأَنْفُــهُ ؟ .. هل يَتَشَمَّــمُ بَعْــدُ طَرِيقَــهُ في الغــابِ ؟ …
وهلِ اخْتَلَجَتْ أَطْرافُهُ ؟
هلْ أَرْخَى جَفْنَيْهِ وألْقَى نظْرَتَهُ الـخَرْسَــاءَ…؟
وهـلْ سَمِعَ الصّيّادُ حَفِيفَ جِرائِهِ فَوقَ سَريرِ الأَعْشَابِ ؟
اللَّـيْلةَ ماتَ الإِرْهَــابِي …!
لَــكِنَّكَ أنتَ القَــاتِلُ، …
كُنتَ هُـناكَ وهُمْ يَلْوُونَ خنَاجِرَهُــمْ تَـتَثَنَّى في أَحْشَـائِهِ
كنـتَ هُنـاك ، جَبِينُكَ مُنْتَكِسٌ يَتَفَصَّدُ من عُهرِ الشُّـعراءِ
وكنتَ هنــاك لِتَشْهَــدَ أنّــكَ أنت القَــاتِلُ دونَ سِــواكَ ،
وَإِنْ ضَــاعتْ بَصَمــاتُكَ بين ثَنــايا العُشْــبِ،
وأنْكَــرَها التّاريخ وَزُورُ الأَصْحَــابِ …
اللَّــيْلةَ ماتَ الإِرْهَــــابِي …
هـلْ تَــسْمَعُ يــا " دُوفيني " شيئًـا في الظُّلْــمَةِ ؟
أَرْهِــفْ تَسْــمَعْ صَمْتَــهُ فيكَ وحولكَ ،
لا تَتحــرَّكْ …أَرْهِفْ أَكــثَرَ تَسْــمَعْ ، …
بعْدَ قليلٍ سـوف يَعُود الصّيّادون بجِلْدِهِ رَخْوًا مُنْسَلِخًا
وسَتَكْفُـرُ باللاَّهُوتِ و علم النَّفْـسِ وتَاريـخِ الأَجْنـاس،
وَ تَعْـرِفُ معنًى آخَرَ للأَنْسابِ يُصَحِّحُ كُلَّ الأَنْسابِ..!
اللَّـيـلةَ ماتَ الإِرْهَــابِي …!
وغَدًا سَتَصِيرُ الأَرْضُ أَخَفَّ وأَوسَعَ للغُرَباءِ و للغِرْبانِ
غَـدًا يَذْرُونَ رَمَادَهُ فَوق عُـرُوشِ النَّفْطِ
وسَاحاتِ الأَحْزانِ …
غَــدًا تَـبْكِيــهِ حَــرائِرُ كلِّ الأَرضِ، و لا أَحــدُ ..
ما قيمَةُ أَنْ تَهتَزَّ لهُ السَّمَاواتُ السَّبْعُ وعَـرْشُ الرَّحْمانِ ؟
ما قِيمةُ أَنْ يَـتَوقَّفَ عبَّادُ الشَّمْسِ العَبَثِيُّ عن الدَّورانِ ..؟
هل كَــان يُصَــدِّقُ حَــقًّا أَنّه يَعْــرِفُنا ..!؟
نحنُ الباقِينَ نُـزَجِّي العُمْرَ
بِنَحْـتِ رُؤُوسِ الغُولِ وسَيْفِ علِيٍّ …
نُــطْلِقُ صَــرْخَتَنا في وجْــهِ مَرايَــانا ….
ويَــطول العُمْرُ بِــنا ، ويَطُــولُ ،
نُــعَمِّــرُ مثْلَ سَــلاَحِفَ مُهْمَــلَةٍ ..
في آخـرِ أَرْضِ النِّــسْيَــانِ..
هلْ حَــقًّا كانَ يَــرى مَــا لَــمْ نَــرَهُ !..؟؟
طَـيْرًا ذَبَحُوهُ فَعَــادَ يَعَشِّــشُ فـي فَوْهاتِ مَدافِــعِهِمْ …
زَهْرًا قَطَفُــوهُ فَأَجْرى سُمَّــهُ في أَطْرَافِ أَصَابِعِهِمْ …
شَجَــرًا نَسَــفُوهُ فـلمْ يَنْشَــفْ ،
و اخْضَــرَّ بِقَــلبِ النِّيــرانِ ….
فِــي الصُّورةِ وَجْــهٌ يُشْبِــهُنا ..
وجْــهٌ عَرَبِــيٌّ نَعْــرِفُهُ …
وجْــهٌ عَيْنَـــاهُ على الْبَـــابِ …
اللَّيْلَــةَ ماتَ الإِرْهَــابِي ..
اللَّيْلَـــةَ…
يُــولَدُ إِرْهَــــابِي !