أيّها السّادة: ها هي حلب!

Photo

كثيرون منّا تابعوا أحداث الشّريط السنمائيّ "عمر المختار"، ولا أعتقد أنّ أحدا منّا يستطيع أن ينسى مشهد "جراتسياني"، وهو يدخل الكُفْرة اللّيبيّة رافعا رأسه فاردا كتفيه، يمشي مزهوّ ا على إيقاع النشيد الايطاليّ ... سنة 1931 كانت ملحمة الكُفْرة، وكانت مذبحة الكفرة …

حاصر " جراتسياني " الكفرة ودكّها بالطّائرات والمدافع، دفن المدنيّين تحت الأنقاض، أمّا المقاومون فقد خرجوا إلى أطرافها عند الواحات، وحاربوا حتّى آخر رصاصة، كما تحارب أساطير الملاحم، ربطوا أرجلهم كي لا يوسوس لأحدهم الشيطان بأن يفرّ من أرض المعركة، واستشهدوا سحقا تحت جنازير الدّبّابات، ولم يرفعوا راية الاستسلام أو الخيانة…

تقدّم "جراتسياني" وسط جنوده حتّى وصل إلى مرتفع علقت به جثّة أحد المقاومين، فدفعها برجله حتّى تدحرجت، ثمّ أشار بيده وقال: "أيّها السّادة... ها هي الكُفْرَة!"

دار بذهني كلّ ذلك، وأنا أستمع إلى أخبار انتصارات الجيش العربيّ السّوريّ المظفّر في حلب، بعد أن دكّ مدينة بأكملها بالطّائرات الروسية والبراميل المتفجّرة حتّى سوّاها بالأرض وجعلها مدينة أشباح وأرضا محروقة أينما حرّكت رجلك تغرق في مستنقعات الدّم، وتتعثّر بأشلاء الأطفال والنّساء المقطّعة المتناثرة في كلّ مكان...

آن لبشّار أن يمشي بين جنوده مشية "جراتسياني" ليعلن خطاب النّصر من حلب...
آن له أن يركل بحذائه العسكريّ آخر جثّة في الطّريق إليها، ويقف مزهوّا رافعا رأسه، تحلّيه النّياشين العسكريّة، ويشير بيده في اتّجاه الرّكام وكثبان الخراب على مدى البصر:

"أيّها السّادة: ها هي حلب!"

وآن لشبّيحة الإعلام والأقلام وتجّار الدّم السّوريّ أن يحتفلوا…

أيّها السّادة: كانت نزهة ظريفة، وكانت رحلة صيد ممتعة… نصف مليون قتيل، مليونا جريح، ملايين اللاّجئين، ستلد الشّاميّات المغتصبات آلاف الأطفال من نسل الجيش العربيّ السّوريّ العظيم… أليس هذا ثمنا معقولا من أجل المتعة؟

أيّها السّادة: انتهت الحرب… فلترفع الأنخاب

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات