مؤشرات سلطة التنسيق الأمني الفلسطينية في نماذج القياس الأكاديمية

يشكل قياس الظواهر السياسية في مستوياتها المحلية والإقليمية والدولية مشكلة منهجية، وتعددت مناهج القياس بخاصة من زاوية تحديد مؤشرات القياس ومعادلات تحديد أوزانها، كما أن المنظور الفكري الذي تنطلق منها نماذج القياس يؤثر بقدر ما بخاصة من زاوية درجة الانحياز الآيديولوجي الخفي في هذه النماذج ونتائجها .

لكن إذا راجعنا نتائج قياس ظاهرة سياسية في نماذج متعددة بمنهجيات متباينة وبانتماءات آيديولوجية أو خلفيات معرفية متعددة، ووجدنا تقاربا ذا دلالة في نتائج هذه النماذج ،فهو دليل على دقة القياس ، بينما إذا كان التباين كبيرا ،فلا شك أن في القياس خلل ما.

ومن خبرتي الطويلة في هذا المجال ، تتبعت نتائج القياس للظواهر السياسية في سلطة التنسيق الأمني الفلسطينية مستندا لأكثر من 17 نموذجا، ومعتمدا على النتائج المتقاربة بل أحيانا المتطابقة بين هذه النماذج الأكاديمية، فكانت النتائج على النحو التالي:

1- مؤشر الديمقراطية (الحقوق السياسية، الحريات المدنية، سيادة القانون، الانتخابات الدورية ...الخ): سجلت سلطة التنسيق الأمني في الديمقراطية معدلا هو 22 من 100، واحتلت المرتبة 166 بين 176 دولة ، اي انها ضمن اعلى عشرة انظمة سياسية في الاستبداد السياسي.

2- مؤشر الفساد: سجل مؤشر الشفافية في سلطة التنسيق الأمني معدل 26 من 100، وتحتل المرتبة 147 بين 180 دولة، والملاحظ ان معدل الشفافية عالميا هو 42.66 من 100 بينما في العالم العربي 39 من 100،وهو ما يعني أن الفساد في السلطة اعلى من المعدل العالمي واعلى حتى من معدله العام في العالم العربي ، ومن بين 7 مجموعات عالمية في نسب الفساد تقع السلطة الفلسطينية في المجموعة السادسة (اي إنها ضمن المجموعة ما قبل الأخيرة).

وتدل المؤشرات الفرعية لهذا المؤشر(أي الفساد) أن 77% من المجتمع يدرك أن الفساد يمارس في القطاع العام (الدوائر الحكومية) وان 59.6% من أموال الحكومة يتم استخدامها دون صفة رسمية خاضعة للرقابة، وأن 54% من حالات السرقة تجري في قطاع الأموال الحكومية.

نتيجة لذلك يرى 94% من المجتمع الفلسطيني أن الفساد ظاهرة منتشرة جدا في أروقة سلطة التنسيق الأمني ،وان 74% لا يثقون إطلاقا بالسلطة.، ولعل ذلك يساهم في تفاقم مشكلة المديونية، فالديون العامة: بلغت قيمة 2.5 مليار دولار حتى عام 2023، وهو مقدار يدخل السلطة ضمن مجموعة الدول التي تجاوزت حدود السماح لها بطلب الحصول على قروض، وتزداد الأمور سوءا في ان 68% من دخل السلطة مصدره الضرائب التي تقوم إسرائيل بجمعها ثم تستقطع منها رواتب الموظفين في قطاع غزة، مما يزيد العبء على خزينة السلطة. وكل ذلك يساهم في استشراء ظاهرة الفساد.

3- الاستقرار السياسي: بلغ معدل عدم الاستقرار السياسي في اطار جغرافيا سلطة التنسيق الأمني معدل (- 1.87 في نموذج كوفمان( الأفضل +2.5 والأسوأ – 2.5)، ولو نظرنا في معدل عدم الاستقرار منذ أوسلو الى الآن ،فانه يصل الى – 1.77) وهو ما يجعل ترتيب السلطة في المرتبة 179 من بين 193 دولة(أي انها ضمن أسوأ 14 كيان سياسي) ناهيك عن أن عدم استقرارها يتزايد في اتجاهه العام.

ولا شك أن الاحتلال يساهم في عدم الاستقرار بخاصة في السنة الأخيرة، لكن المعدل بقي يراوح في هذا المستوى منذ 1993، أي منذ وعود التحرير عبر أوسلو، ومما يضعف حجة دور الاحتلال –ولا ينفيها كليا بالطبع- أن الظواهر الأخرى من ديمقراطية وفساد وجريمة اجتماعية ...الخ تسير بموازاة ظاهرة عدم الاستقرار وتساهم فيه.

4- الجريمة الاجتماعية: يحتل المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية المرتبة 88 بين 146 دولة جرى قياسها لظاهرة الجريمة الاجتماعية ( القتل ،السرقة، الاغتصاب، المخدرات،. الخ)، وتصل معدلات الجريمة الى 42.1 لكل مائة الف ، وهو ما يعني أن معدل السلم الاجتماعي هو 57.9 نقطة. لكن اللافت للانتباه هو ان مرتبة سلطة التنسيق في الأمن الاجتماعي لا تتسق مع نسبة الإنفاق على هذا القطاع ، فهو يلتهم 44.6% من الموازنة العامة لسلطة التنسيق الأمني، وللتدليل على الفساد نجد انه من بين 34391 موظف امني في السلطة هناك 19الف و 766 ضابطا، أي أن كل 1.7 موظف أو جندي بينهم ضابط، وهي اعلى نسبة بين دول العالم بعد الفاتيكان ( وهو ما يعزز نسبة الفساد المُقَنَّع )( ولتفاصيل هذه البيانات بشكل تام يرجى الرجوع الى The Geneva Centre for Security Sector Governance الذي انجز التقرير مع وزارة الداخلية الفلسطينية في شهر 8 من عام 2023، وقامت وزارة الخارجية السويسرية والاتحاد الأوروبي بتغطية تكاليف التقرير الذي يقع في 128 صفحة ويغطي كل الجوانب القانونية والمالية والبشرية للجهاز الأمني( الأمن الوطني- والداخلي) إضافة الى جهاز المخابرات العامة الذي يضم 4290 موظفا في الضفة الغربية إضافة الى 1400 كانوا معينين للعمل في غزة حتى اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، كما يغطي التقرير مؤسسات الجهاز القضائي الفلسطيني في كل من غزة والضفة الغربية).

ويشير التقرير السويسري أن دائرة الارتباط الخاصة بتنظيم عمليات التنسيق الأمني مع إسرائيل تضم 481 موظفا منهم 370 في الضفة الغربية ،وكان 111 مقررين للعمل في غزة حتى إعداد التقرير.

5- الإنفاق على البحث العلمي: يصل المعدل العالمي لنسبة الإنفاق على البحث من إجمالي الناتج المحلي 2.62%، بينما يبلغ في سلطة التنسيق الأمني طبقا لآخر البيانات 0.45%، أي أنها تمثل 17.2% من المعدل العالمي للإنفاق على البحث العلمي ، بينما تنفق 44.6% من ميزانيتها على الأمن ، وهي مفارقة لا تجدها في اكثر دول العالم تخلفا.

6- تزايد الاستيطان في الضفة الغربية: منذ توقيع اتفاق أوسلو الى نهاية 2024 ارتفعت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية بنسبة 2.7 أضعاف ، فقد كان العدد-طبقا للأرقام الإسرائيلية- 268 الف و 756 مستوطنا ، ووصل عام 2019 الى 688 الف و 262 مستوطنا، وهو الآن 733 الف و 229 مستوطنا، وتسيطر هذه المستوطنات التي تقارب 250 مستوطنة على حوالي 43% من مساحة الضفة الغربية(ناهيك عن السيطرة الإسرائيلية الأمنية على 62% من الضفة وهي منطقة ج).

ومنذ بداية الحرب الحالية في أكتوبر 2023 ، قام المستوطنون ب 1860 هجوما على الفلسطينيين وممتلكاتهم حتى بداية 2025، وأدى ذلك الى استشهاد 870 فردا منهم 177 طفلا ، وأصيب بجراح ما مجموعه 6700 ، وتم اعتقال 13572 فردا ،وتم تدمير 2168 منزلا مما تسبب في تشريد 6729 مواطنا فلسطينيا من منازلهم.

اللافت في هذا الأمر ،أن اجهزة الأمن الفلسطينية واصلت التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال رغم كل ما هو مخالف حتى لنصوص اتفاق أوسلو، وليس للسلطة إلا الانشغال بموعد تسليمها غزة والاحتفال بنزع سلاح غزة، والصراع بين "النخبة" على من يرث كرسي السلطة حتى لو كان راسبا في الثانوية العامة مرتين أو متهما بجرائم أخلاقية.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات