حينما تفتقد الساحة إلى ساسة (والفرق شاسع بين السياسي الحقيقي والمرتزق بالسياسة والمحترف لها)، يصل الأمر إلى ما وصلنا إليه.. تصحّر على كلّ المستويات، ثمّ صعودٌ للعصابات المنظّمة بمختلفة أسمائها (وجلّها "قانونيّة" أي معترف بها).. فالطبيعة لا تقبل الفراغ..
المطالبة اليوم بحلّ النقابات الأمنيّة.. أمر عبثي وغير مجدي (وإن كنت من المطالبين بذلك).. نطالب من؟؟؟ الدولة؟؟؟ أين هي الدولة اليوم؟؟؟ حكومة ضعيفة (وأريدَ لها أن تكون كذلك).. رئاسة، على صورة صاحبها.. برلمان بأحزاب فولكلورية..
الحريّة تُفتكّ ولا تهدى.. وكذلك السلطة تفتكّ ولا تُهدى.. وعندما يحصل ذلك، لا تطرح أصلا مسألة "حلّ النقابات الأمنية" وغيرها من العصابات المنظمّة.. لأنها ستضمحلّ بمحض إرادتها.. لأنّ العصابات لا يمكن لها العيش في ظلّ دولة قويّة.. والدولة القوية تستمدّ قوّتها من قوّة رجالها..
لا معنى للحريّة في ظلّ غياب الدولة القويّة.. لذلك لا داعي من تكرار الاسطوانة المشروخة والمملّة التي تقول: "أكبر مكسب من مكاسب الثورة هو الحريّة ".. لأنّ هذه الأخيرة لم يستفد منها إلى حدّ الآن أحد في ما عدى أعداء الثورة..
الحريّة مع ضعف الدولة وغيابها تساوي ديكتاتورية مقنّعة.. بعبارة أخرى هي حريّة "الذئب الحرّ داخل قطيع الغنم الحرّ"..