في ظلال الديكتاتوريات تفرض ارادة الحاكم وقوانينه بالقوّة... قد تكون هذه القوانين جيّدة ونافعة، ولكن منهج تنزيلها يجعلها تفرز نتائج مرَضِيّة بعكس ما تهدف اليه... ويتولّد عن ذلك النفاق الاجتماعي والتحايل على القوانين…
في 13 أوت سنة 1956 وقع الاعلان عن مجلّة الأحوال الشخصيّة وقد دعمها وصاغ بنودها بعض أعلام الزيتونة ومنهم الشيخ محمد الفاضل بن عاشور خاصة، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور والمفتي الشيخ عبد العزيز جعيط الذين استشارهما بورقيبة حولها.
ولكن هناك من رفضها وهذا أمر طبيعي... تواصل بورقيبة علنا –وبالإسم-مع أعضاء المحاكم الشرعية لمعرفة آرائهم حول موافقة هذه المجلة للأحكام الشرعية. "في 14 سبتمبر، نشر 13 عضوا لمحكمتين شرعيتين علويتين فتوى يعلنون فيها أن مجلة الأحوال الشخصية تحتوي على توجهات مدانة لأنها مخالفة للقرآن والسنة والإجماع. كرد فعل من بورقيبة على هذه الفتوى، تم تقريبا فصلهم جميعا أو إحالتهم على التقاعد المبكر، بينما تم إيقاف الأئمة الذي ألقوا خطبا ضد المجلة ونفس الشيء بالنسبة للشيوخ الذين وقعوا على عرائض أو مقالات ضدها" ...
اللعب لا! لا نقاش ولا حوار ولاهم يحزنون…
بعد ذلك بسنوات فرض بورقيبة مسألة "الرئاسة مدى الحياة" (مؤتمر الوضوح سبتمبر 1974)... وهو أمر أشدّ وأنكى وأخزى على البلاد قاطبة من تعدد الزوجات نفسه…
وقبل الجميع عن يد وهم صاغرون…
تقرير "لجنة بشرى" (والتوصية بمخرجاته جاءت من "المسؤول الكبير" وهو في قضيّة الحال، الاتحاد الأوروبي) الذي يأتي في 2018، بعد ثورة "الحرية والكرامة"، وبعد أن تغلغل العالم مسافة في القرن 21، لا يرقى إلى قوّة مجلّة الأحوال الشخصية نفسها... ويريدون تمريره مرّة أخرى بالقوّة... ولكن ليس هناك محمد الفاضل بن عاشور ولا محمد الطاهر بن عاشور ولا عبد العزيز جعيط... بل بشرى بالحاج حميدة، وصلاح الدين الجورشي، ودرّة بوشوشة، الخ…
بعبارة أوضح، على مستوى منهج التنزيل... وصلنا إلى مرحلة "تطييح القْدَرْ"…
نعم للحريات الفردية... نعم للمساواة... نعم للعدل... ولكن احترموا عقولنا... فالسيادة الوطنية قبل وبعد كلّ شيء…
1-انظر مقال "مجلة الأحوال الشخصية" على صفحات موسوعة ويكيبيديا.