بنقردان ودموع التماسيح

Photo

بعد الترحّم على أرواح شهداء الوطن من عسكريين وأمنيين ومواطنين عزّل، نقول أنّ ما تشهده البلاد اليوم في وتيرة متصاعدة، وفي أشكال مختلفة، وفي مجالات في ظاهرها متباعدة، إنْ هو إلاّ أمر يُعَبَّرُ عنه في الجويولوجيا بالرجّات الارتداديّة للزلزال الأوّل، زلزال الثورة.. أحسبتم أنّ الثورات بالأمر الهيّن الذي يمرّ هكذا بسلام؟

الثورة حرب اجتماعيّة بين كتل تاريخية متناقضة المصالح، لا حياة لبعضها بغير فناء البعض الآخر..
قصار النظر، وصغار النفوس، والجهلة بالتاريخ والاجتماع من الساسة هلّلوا فرحا بثورة لا ناقة لهم في اشعالها ولا جمل، ورأوا فيها صهوة سهلة المراس، فقفزوا فوقها وامتطوها ودفعوا بها في غير وجهتها الطبيعية.. ظنّا منهم وهم السرعى على المناصب والظهور والزعامة، بأنها - أي الثورة - كما قالوا فيها - بالتمني - "ثورة ياسمين" و"ثورة شباب" و"ثورة سلمية"..

أعمتهم نرجسيّتهم المرضيّة حتّى رأوا في كلّ خصم لها لدود، صديقا حميما.. بل راحوا يبحثون، بعد أن عجزوا عن التماهي مع روحها (وفاقد الشيء لا يعطيه.. متى كانوا ثوريين أصلا؟!)، راحوا يبحثون لهم على مباركات وعون، لدى أصحاب المال، ولدى السفارات، ولدى النقابات، ولدى الإعلام القديم الجديد.. ولدى القوى الاقليمية والدولية: الامارات، قطر، السعودية، تركيا، فرنسا، ألمانيا، أمريكا.. طبعا، وهل يخفى القمر.. انهمرت على أحزابهم المختلفة، الأموال والعطايا العينية: سيّارات.. منح دراسيّة للأبناء، أسفار، ندوات، تمويل حملات انتخابية، دورات تدريبية.. كلّ ووزنه.. كلّ وما يكفيه لمسح لعابه.. وما خفي كان أعظم..

خمس سنوات مرّت، هُمّشت فيها الثورة وشعبها، وأبعد الحالمون بها، فباتوا، وهم في معقلها، غرباء.. ولم يبقى على الساحة إلاّ هؤلاء السماسرة والتجار.. يسمسرون ويبيعون، في أكشاكهم الحزبية، كلّ البضائع: الدين، الحداثة، العقارات، الشرف.. وحتّى الوطن نفسه..

الدواعش اليوم في كلّ مكان.. برايات سوداء وحمراء وبنفسجية وخضراء وزرقاء وصفراء.. بلحاء وبغير لحاء.. بأقمصة وببدلات أنيقة.. في الجبل وعلى الحدود.. وكذلك في الادارات وفي المصحات وفي الملاعب وفي المسارح وفي الطرقات وفي التلفاز والمذياع..

هؤلاء جميعا هم أعداؤك يا وطني.. ما العمل؟

لا جواب عندي، إذ لا أرى اليوم من مخرج.. ولكنني على يقين بأنّ الثورة وهي سيرورة تاريخية ستفرز حلاّ إن آجلا أم عاجلا.. وستفتكّ السلطة افتكاكا.. كما الحريّة تُفتَكّ ولا تُهدى..

عندها تكون القطيعة.. عندها يكون التأسيس.. عندها يقاتل الجندي المدافع عن حياض الوطن، وهو على يقين بأنّ ظهره مسنود بسياسي محارب.. لا بسمسار يتاجر بالعرض وبالأرض، ويذرف بين الفينة والفينة دموع التماسيح..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات