كلام في الثقافة والفنّ..

Photo

خلال السبعينات، كانت الساحة الثقافية الفنيّة في تونس منفتحة ومتفاعلة مع التجارب القادمة من المشرق ومن المغرب، ومستوعبة لتلك التأثيرات..

ففي الموسيقى مثلا، بالإضافة إلى النغم الشرقي المتجسّد في كبار الفنّانين والفنّانات من أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وفيروز وناظم الغزالي ووردة الجزائرية وسعاد حسني وكارم محمود وغيرهم كثير.. كانت هناك أيضا التأثيرات المغاربية التقليدية منها، كدحمان الحرّاشي والشيخ العنقاء ورابح درياسة وعبد الهادي بالخياط وحميد الزاهر، والمجدّدة كعبد الوهاب الدوكالي وإيدير وجمال علاّم وجورجرة وعزيزة جلال ونعيمة سميح وخاصّة ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب والإخوان مكري..

هذه الفرق والمجموعات الأخيرة كانت تستقطب الشباب خاصّة، إذْ أنها نجحتْ في هضم المورث الموسيقي القديم وإخراجه في صيغ حديثة، مشابهة لما كان يجري على الساحة الغربية الغازية للسمع وللبصر.. فكانت هذه الفرق والمجموعات رديفا عربيا "للبيتلّز"، و"البينك فلويد"، و""سايمون آند قارفنكل"، و"بوب ديلان"، وغيرهم..

وتزامنت تلك الموجات، في تفعلاتها مع المستجدّات السياسية في المنطقة، فكان تأثير الشيخ إمام ومارسيل خليفة وفرقة أغاني العاشقين، مؤطرا لما سُمّي بالأغنية الملتزمة.. دامت تلك الحيويّة، وذاك الثراء الفنّي إلى حدّ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.. حيث وقع تغيير وجهة الثقافة والفنّ في اتجاه التسطيح والابتذال، ودخلنا عصر "السيليكون" اللبناني و"البوتوكس" التونسي والبترودولار الخليجي و"تفريخ" النجوم المتلفز.. وعصر "نوبة" و"حضرة".. عصر تزييف الماضي باسم الأصالة، وتمييع الحاضر باسم التفتّح..

نقتات اليوم، ونأكل، ونتنفس مما أفرزه ذاك "التشرنوبيل" الثقافي المدمّر للذوق وللجمال..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات