يوميّات الثورة التونسيّة – أكتوبر 2012

Photo

2 أكتوبر 2012

عادة ما تلجأ الثورات إلى "العدالة الإستثنائيّة"، أوّلا لحماية نفسها من أعدائها الذين يرون في فشلها حياتهم، ومن الغوغائيين الذين ينتهزون ما يحدث خلالها من انخرام للأمن ليروّعوا الناس نهبا وسلبا واحتكارا للبضائع وتلاعبا بالأسعار وارتكابا لمخالافات لا تحصى... وثانيا لمحاسبة من أجرم في حقّ العباد والبلاد أثناء فترة الحكم المطاح به…

في تونس عندما آل الأمر منذ اليوم الأوّل بُعيد سقوط الطاغية إلى أعداء الثورة الذين "أقنعوا" الإصلاحيّة بحتميّة "التوافق"، ابتُدِعَ مفهوم "العدالة الإنتقالية"... وهو في ظاهره خير وفي باطنه يكمن كلّ الشرّ... إذْ تعطّلت العدالة أصلا فما بالك بالإستثنائيّ منها... حتّى بات الناس يتساءلون : "هل وقعت ثورة في تونس؟"... يتساءلون كذا ولا لوم عليهم... يتساءلون كذا ودماء الشهداء لم تجفّ بعد ولا اندملت جراح الثوار…

وفي السياق نفسه تنتفي الغرابة مما يحدث في الإعلام وفي المساجد وفي النقابات وفي الجامعات وفي المحاكم وفي البلديات وفي المجلس التأسيسي بقَصّاصه وبمن يطالب بجراية وفي وفي وفي... إلى حادثة الإغتصاب…

فيما الغرابة؟

أليس ما يحدث اغتصاب للثورة؟؟؟

5 أكتوبر 2012

أعطِيني قرطلتي ما عيني بعْنبْ…

ياسيدي…

ما حاجتناش بثورة "حضاريّة"... حاجتنا بثورة وبسّْ…
ما حاجتناش بعدالة "انتقاليّة"... حاجتنا بالعدالة وبسّ…

ما حاجتناش "بتوافق" و"بمصالحة وطنيّة"... حاجتنا بمصلحة الثورة وشعبها وبسّْ..

يا سيدي..

شدّينا في القشور وزخرف القول وتقرقيش الحناك... وسيّبنا اللبّ..

تلهينا في الصالة والعرس والحنّة والوطيّة... ونسينا القدر والعشرة والحبّْ…

يا سيدي راهو شيّ ينطّقْ…

7 أكتوبر 2012

الخطر الذي يهدد الثورات عموما لا يكمن في العدوّ الخارجي وفي بقايا النظام المطاح به فحسب، بل كثيرا ما يأتي من بعض الفئات الإجتماعيّة التي لم تستوعب مفهوم الحريّة المكتسبة بأبهض الأثمان، فتلجأ إلى إلى استغلال هذه الحريّة وكذلك الخلل والضعف الذي يصيب المنظومة الأمنية بسبب الثورة لتزرع الرعب بين الناس بالنهب والسرقة والإعتداء على الأملاك الخاصة والعامّة... ولذلك لجأت الثورات في العديد من المناسبات إلى حماية نفسها بالقوانين الإستثنائية التي لا تهاون فيها مع الغوغاء... فهم أيضا أعداء للثورة وجب التعامل معهم بما تقتضيه حرمتها وهيبتها... إذْ "لا ضرر ولا ضرار"…

8 أكتوبر 2012

شكري بلعيد (كتبت هذا الكلام أشهر قبل اغتياله، رحمه الله)، قبل قليل في حوار على موجات الإذاعة الوطنية قاصدا بكلامه الترويكا عامة والنهضة خاصة : "نحن حررّناهم من الحبوسات ولين وصلوا للحكم..." ترجمة المقولة تفترض أن يكون شكري بلعيد ومن معه قد قاموا بالثورة على عكس الترويكا والنهضة...وتفترض ايضا الاعتراف الصريح بأنّ هؤلاء كانوا في غياهب سجون بن علي في حين أنّه وأمثاله ينعمون بالحريّة... في الفرضيّتين هناك مأزق!

9 أكتوبر 2012

في مثل هذا اليوم من سنة 1967، وفي بعض جبال وأحراش بوليفيا، سقط المناضل الإنساني الأممي ارنستو تشي غيفارا، بين براثن القوات الخاصة البوليفيّة مسنودة ببعض مرتزقة وعناصر السي اي اي... الذين سرعان ما نفّذوا فيه حكم الإعدام، بعد أن جاءتهم التعليمات من أعلى قمّة هرم الإمبريالية... لقد تمّ إعدام هذا الثوري المبدئي الرمز، لا لقوّة وسائل الإستخبارات العالمية ولشجاعة وخبرة الفرق الخاصة البوليفية وإنّما بسبب مناورات وخيانات اليسار الإنتهازي وكذلك اليسار الستاليني,,, ولنا في هذه الربوع بهم خبرة... فهل من مدّكرْ…

15 أكتوبر 2012

لزوم ما لا يلزم.. أو هاجس الدسترة لدى "النُّخبة"

حينما اندلعت الثورة لم يدرْ بخُلدِ من نزلوا إلى الشوارع مخترقين الأدخنة الخانقة ومعرّضين صدورهم للرصاص القاتل.. ومنهم من سقط شهيدا أو جريحا.. لم يدرْ بخلد هؤلاء.. ولم يخطر ببال النسوة وهنّ يطلقنا زغاريد الفرح.. بأنّ هذا الأمر الجلل سيُختزلُ في هروب طاغية وعائلته، وفي صياغة دستور من قِبَل أناس لا يمتُّ معظهم لفكرة الثورة وروحها بِصِلة..

لقدْ نادت لهذا الدستور-الفخّ، فئة قليلة رأتْ فيه حمايةً لنفسِها من مستقبلٍ مجهول (وقد كبرت في رفاه المسلّمات)، ورأتْ فيه أيضا وسيلة لإحراج "الإسلام السياسي" وجرّه إلى معركة الإيديولوجيا ورأت فيه أخيرا إبعادا للثورة عن مسارها الطبيعي والصحيح..

وفي هذا السياق، تأتي مسألة "دسترة الثقافة" لتبرهن هي الأخرى على الصبغة التفخيخية لهذا الدستور-"صَنْدُوق عجبْ"... فتصبح الثقافة بما تعنيه من رحابة ومن "تنطّع" ومن انسيابيّة ومن تحرّر وسعة خيال، رهينة سجالات ونقاشات فقهيّة دستوريّة يُخْتلف فيها عن موضع الفاصل والنقطة..

هلْ بات هذا الدستور-الفخّ كشجرة سيدي "فلان الفولاني" يعقد حول أغصانها كلّ من له "نيّة" أو حلم يرجو تحقيقه، قطعة من القماش؟؟؟؟

15 أكتوبر 2012

يلعن أبو سياسة الحسابات الحزبية الضيّقة التي تجعلُ من الرجّل يقول الشيء وضدّه بحسب موقعه في اللعبة... قليلا من المبدئية أيها الساسة حتى يحترمكم الشعب…

17 أكتوبر 2012

شكرا جزيلا للإعلام المضْرب غدا... سينعم التونسيّون بيوم بدون تلوّث سمعي-بصري-ورقي... وستتمكّن فئة واسعة من الصحافيين من اكتشاف معنى كلمة "إضراب" لأوّل مرّة.... أقول قولي هذا وأنا من أنصار الحريّة المطلقة للإعلام... وأنا أيضا ممّن يؤمنون بأنّ الإعلام الذي كان سند الديكتاتورية على مدى عقود كان الأولى به الصمت إلى الأبد... وهذا أضعف الإيمان... وهذا استحقاق من الإستحقاقات الكبرى للثورة..

17 أكتوبر 2012

هاو اللعب ولاّ لوّح... يحرزلو طاح بجماعة "هُواة" يحكيو بلغة "حلّ التجمع بقرار قضائي"، و"عدالة انتقاليّة"، و"مصالحة وطنيّة"، و"ثورة حضاريّة"، و"مجتمع مدني".. و"حيّ درابك"، و"دار امْعلّمة"…

18 أكتوبر 2012

شعور غريب انتابني هذه الليلة…
لأوّل مرّة منذ 14 جانفي 2011، أشعر بنفس الغثيان الذي كنتُ أشعر به أيام النظام البائد وأنا أتجوّل عبر القنوات التلفزية التونسية... الديكور نفسه والوجوه نفسها والنبرة نفسها... والزيف نفسه…

شعرتُ الليلة (لا بمناسبة اضراب الإعلام فهذا من باب اللاّحدث في صيرورة التاريخ الكبرى)، بأنّ الثورة المضادة باتت ترقص مزهوّة، فرحة، منتشية، مزدرية، شامتة... لا في حكومة الترويكا وعلى رأسها النهضة... بلْ في الثورة... أيْ نعم... إنها تزدري الثورة ولسان حالها يقول: "نحن هنا... نحن هنا... والفضل للنهضة... شكرا للنهضة... نحن هنا... نحن هنا..."

قتلتنا الردّة يا مولايْ... قتلتنا الردّة يا مولايْ…

علّمني التاريخ أنّ مأساة الثورات لا تأتي ممّن قامت ضدّهم، بل ممّن تبوءوا منها الصدارة، على حين غرّة، في الربع الساعة الأخير... مأساة الثورات تأتي ممّن قالوا بأفواههم آمنّا بالثورة، ولمّا يدخل الإيمان بها إلى قلوبهم…

18 أكتوبر 2012

برغم عدم خبرتي في تقنيات التسجيلات الصوتية ولكن الواضح أنّ الميكرفون وجهاز التسجيل شديد الإلتصاق بالباجي قايد السبسي - ويظهر هذا عندما يتحرك المعني بالأمر أو في آخر التسجيل عندما يشرب الماء ويمضمض فمه - وحتى صوته هو أكثر وضوحا من صوت الجبالي... وعلى كلّ حال ليس في التسجيل ما فيه "إحراج" للرجل العجوز فهو خبيث وداهية في السرّ والجهر... وحتّى المساوئ التي قد تصدمنا عندما ننصت لها التسجيل هي عند فلول التجمع محاسن…

تحيّة احترام وتقدير لكلّ من سهام بن سدرين وراضية النصراوي والراجحي... ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله…

22 أكتوبر 2012

شاهدتُ قبل قليل برنامج "على الطريق" لمنير مسلّماني، وكان محور الجزء الذي تابعته "اضراب الإعلام"، حيث رصدت كاميرا البرنامج التجمع الذي انتظم أمام مقرّ نقابة الصحافيين. هناك استرعى انتباهي، في ما التقطته الكاميرا بعفوية :

- شعار "الصحافة حرّة حرّة.. والخوانجية على برّة". ثمّ أعيد استعمال كلمة "الإخوانجية" مرّات أخرى على لسان أحد الأعضاء القياديين في النقابة نفسها، لا أعرف اسمه، إذ أنني لم أكن في حياتي قطّ من قرّاء الجرائد التونسية، وكنتُ أعتبرها لا تصلح حتى كورق مراحيض، لما لجسد الإنسان من حرمة (فيما عدى جريدة الرأي وكذلك المستقبل في بدية الثمانينات)..

وكلمة "اخوانجيّة" هذه نابعة من أعمق أعماق معجم الإقصاء الدستوري التجمّعي وكذلك اليساري الإنتهازي.. وهذا يدلّ على أنّ هذا التحرّك المدافع في الظاهر عن "حرّية الإعلام" هو في حقيقة الأمر حلقة أخرى من حلقات تصفية حسابات مع عدوّ سياسي لدود لا أكثر ولا أقلّ.. وهو كذلك ممارسة للصراع السياسي خارج الأطر السيادية للشعب..

- حظور خليط من الوجوه الغير متجانسة إلاّ في عدائها، لا لحكومة الترويكا، بل "للخوانجيّة" الذين ما كان لهم أن يغادروا "أوكارهم الجبريّة"… فتونس بدونهم "أجمل"، حتى تحت ظلّ بن علي والطرابلسية..

بين الحظور، وجوه مناشدة، اختفت أيّام الثورة، وعادت اليوم مع الردّة، وقد زال شحوبها واستعادت ثقتها بنفسها.. وقد طويت صفحة المحاسبة والتطهير… وربما تطالب بحقها في الترشّح في قادم الإنتخابات! لما لا؟.. وبين الحظور فتاة، لا أطعن في جمالها.. تبدو من الأحياء الجديدة الراقية، ولا تتكلّم بغير الفرنسية، ربطت حول عنقها علما أمريكيا.. أي نعم..

هلْ ثورة هذه أم مبغى؟؟؟ هلْ نحن بصدد أضغاث أحلام وكوابيس أخرى؟؟؟ والله بتُّ في شكّ من الأمر!!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات