ملاحظات على هامش تحرّك "مانيش مسامح"..
1- تخطئ الأحزاب التي تظنّ أنّ مثل هذه التحركات مناسبة لتسجيل حظورها على الساحة، فتأتي مرفرفة أعلامها... والأعلام يفوق عددها عدد المشاركين (مشهد تراجيكوميدي!)... تخطئ لأنّ مثل هذه المناسبات تعرّيها وتظهرها على حقيقتها: أحزاب في حالة موت سريري... أحزاب لا تعرف الشارع ولا الناس... وهؤلاء لا يعرفونها إلاّ من خلال ظهور قادتها على الشاشة أو على موجات الراديو..
2- الجبهة الشعبيّة (التي تضمّ على الورق 12 حزبا!) + التكتّل + التيار الديمقراطي + أصحاب "المريول الرمادي "مانيش مسامح" يساوي كوكبة من الناس تضمّ بضعة عشرات... لنقل بضعة مئات إذا ما احتسبنا المارّة، والفضوليين وبعض الجالسين في المقاهي... أحزاب ماذا أيها الأبله؟…
3- هناك حدّ أدنى من المصداقية ومن احترام عقول الناس وكذلك من الانسجام مع النفس يجب مراعاته حتى تؤخذ هذه الأحزاب مأخذ الجدّ… فلا تصبح "ضُحكة" ومسخرة… منها أنّ من شارك بفاعليّة في اعتصام باردو وساهم في صعود "النداء" لا يمكنه اليوم ادّعاء المطالبة بمحاسبة الفاسدين.. اضافة الى أنّ جزءا من هؤلاء الفاسدون كانوا قد موّلوا الحملات الانتخابية لأولائك.. ماذا يعني وجود التيار الديمقراطي وحتّى التكتّل مع الجبهة الشعبيّة؟؟؟ ماذا يعني أن يتصدّر سي محمد الحامدي زعيم التحالف الديمقراطي المسيرة وقبل ذلك نراه "مِتْصَدّرْ" في مؤتمر حزب محسن مرزوق؟؟؟ هل أنّ أطباقا جديدة من غير الروز بالفاكية بصدد الطبخ… شيء يُسيل اللعاب!
4- في الجهة الأخرى، وعلى مدارج المسرح البلدي وما حوله، تجمهرت جموع، تختلف عمّن ذكرت آنفا شكلا وضمونا… هي الأخرى لا تزيد عن بضعة مئات، ولكنّها تتشكّل أساسا ممّا اصطلح على تسميته منذ 14 جانفي 2011 ب"شباب الثورة"… بالفعل معظم هؤلاء من الشبان ومن الفتيات… يبدو انتماؤهم ميّالا إلى "الشعب الكريم"، من عمّال و"زواولة" وطلبة وغيرهم من الفئات الشعبيّة… طرق تعبيرهم تنمّ على الحماسة والعنفوان.. وطرق تنظمهم تبدو عفويّة وأكثر فاعلية… وهذا أكبر تفسير لحلّ رابطات حماية الثورة واتهامها بالعنف ونعتها بشتى النعوت.. مشكلة هؤلاء تكمن في غياب الوعي المتكامل المؤدّي إلى شكل من التنظّم يكون بديلا عن أحزاب "الموت السريري".. إذا ما تنظّم هؤلاء فسيكون للسياسة في تونس مولد جديد..
5- مظاهرات اليوم (مظاهراتين في نفس الزمان والمكان) جاءت لتثبت حقيقة السراب لمن لا يزال يعلّق آماله على الأحزاب التونسية في صيغتها الحالية. اليوم بان للعيان، وبوضوح تامّ أنّ هذه الأحزاب لا تختلف البتّة عن أكشاك الانتصاب الفوضوي بعد 14 جانفي.. هذه الأحزاب هي اليوم في حالة موت سريري.. كيف لا وقد عجزتْ حتى على جلب مناضليها وقواعدها إلى الشارع.. واكتفت بحظور محتشم للقيادات وبعض صور تذكارية "كَدوزهْ لازمة لحشيشة النرجسيّة".. لقد اختزلتْ هذه الأحزاب السياسة بمفهومها الأخلاقي الفلسفي في العمل الحزبي الضيق.. وحتى هذا اختُزِل في استراتيجيات الأفراد الخاصة، مما جعل من الظهور التلفزي المقياس الأوحد "للزعامة" السياسية.. فكان أن قتلت السياسة وقتلت نفسها.. ثمّ إنّ هذه الأحزاب التي تدعو إلى المحاسبة وإلى الديمقراطية واحترام الدستور والشفافية ووو.. هل طبقت في داخلها كل ما تطالب الآخرين بتطبيقه؟ لا أظنّ ذلك، وإلاّ كيف لنا أن نفسّر تشظيها وتشرذمها وكثرة الانقسامات فيها؟ وحتى لا أفهم خطأ، فلست من دعاة "اللجان الشعبية"، و"من تحزّب خان" وغيرها من مقولات الكتاب الأخضر.. ولكن أعتقد بأن الوقت قد حان لظهور أطر سياسية مغايرة تراهن على الشعب وتبني عملها على القيم الكبرى وتدعو إلى السياسات الكبرى.. لا أن تكون مجرّد ماكينات انتخابية.. كما هي الآن..