من معرض الكتاب الوطنيّ يأتينا نبآن: أحدهما يتّصل بطرد مجموعة من الزّوّار التّونسيّين أحبّاء الكتاب لسفيرإيطاليا انتقاما من تأييد بلاده العدوان البربريّ على بشَر غزّة وحجَرها وشجرها. وهوعمل محمود ينبئ ببقاء جذوة القضيّة في قلوب التّونسيّين الذين كدنا نقيم عليهم مأتما وعويلا... أمّا ثانيهما فما طالب به أحد أصحابا "المراصد" االتّونسيّة ذوات العيون الحُول من ضرورة انتباه القائمين على المعرض إلى عرض كتب اتّهمها ب"الإرهاب".
وإنّي الآن وهنا لأَودّ أن أوجّه بعض الأسئلة إلى صاحب "صحيحة الفزع" هذه:
- لماذا لم تقدّم لنا بعض نماذج من هذه الكتب التي تخشى نشرها "للإرهاب" حتّى نتّفق معك أو نختلف حول صفة "الإرهاب" فيها؟ (طبعا إن لم يضق صدرك وصدر مرصدك ومدنيّتك باختلافنا متى فرضتْه الحقائق، أمّا إذا اتّفقنا فنكون قد أرحنا واسترحنا !)
- ألا تسمح ومن يشاركونك المواقف والسّرديّات الفكريّة لنا أن نقف جميعا عند نسبيّة مصطلح "الإرهاب" التي تريدونها مطلقة وذات رؤية واحدة هي رؤية عيونكم دون عيوننا (أرجو عدم تصنيفي إرهابيّا، فأنا أحلق لحيتي كلّ يوميْن، وأسبّ في سرّي وعلني كلّ تطرّف فكريّ على يميني وعلى يساري، وألاحق خشوعا في صلاتي لا أدركه، وأتزيّى بلباس إفرنجيّ تتحدّد أناقته بما تسمح لي به جرايتي المتواضعة وأولويّاتي المتعدّدة، وأوجّه متعلّميَّ إلى وسطيّة لا تعرفونها أولا تريدونها...)
- ما المقصود ب"المدنيّة" التي تلوّحون بها شعارا تُقصون به مواطنيكم المتديّنين عاديَّ التّديّن عن مناصب الدّولة ومواقع الفعل المصادَرة لشريحة فكريّة معلومة منذ زمان قصيّ (لا أتحدّث عن المتديّنين المتطرّفين الذين نتفوا لحيّهم المركّبة النّابتة بين ليلة وضحاها ونزعوا قمصانهم الأفغانيّة بعد أداء مهمّة يعلمها القريب والبعيد لصالح أطراف لا أشكّ أنّك تعرفها، مهمّة عادوا بعدها إلى جعّتهم الرّخيصة عند مجىء الباجي قائد السّبسي رحمه الله إلى كرسيّ الرّئاسة (بالمناسبة، لا يزعجني البتّة أن تخالفني صيغة التّرحّم التي قد يمدّك بها معجم "المدنيّة" التي استأثرتم بها دوني ودون مختلفي السّياسة والأيديولوجيا، فتقول مثلا: "على روحه السّلام"، فصدري يتّسع للاختلاف اتّساعا).
- لماذا تصرّون على إحياء "محاكم التّفتيش" في هذا البلد المسكين؟
- إذا افترضنا أنّ في هذا المعرض كتبا متطرّفة بالمعنى الصّحيح للعبارة كيف مرّتْ على المشرفين معلومي التّوجّه والخلفيّة؟ وإن سلّمنا بتغاضيهم عنها، ألمْ يُهدوا لي ولك ولشعب البلد القارئ فرصة لمعرفة ما يدور في أذهان أصحاب المؤلّفات المزعجة المستدعية للنّفير؟!
- أتجهل أنّنا إذا قرأناها (لك أن لا تنخرط في هذا الجمع) "حميْنا" "المدنيّة" التي تراها مهدّدة ؟!
- هل المدنيّة شكل دون مضمون وشعار دون فعل وتجسيد؟ لماذا، إن كانت بمفهومها الصّميم، لم نرها تنهض بالبلد وترتقي به وبجميع مناحيه (تربية، ثقافة، اقتصاد...)؟!
- أنا من موقعي، لا أستطيع أن أتصوّرأنّ مواطنا يولّي وجهه شطر معرض الكتاب في زمن أزمة القراءة يمكن أن يتأثّرسلبا بمؤلَّف يقرؤه أيّا كان مضمونه. فشاركني، إن لم تكن لك حسابات أجهلها، عدم انزعاجي ممّا صرختَ من أجله بصوت أعلى من أصوات طاردي السّفير تعبيرا عن تضامنهم الإنسانيّ مع أشقّائهم في غزّة الشّهيدة التي لم تُترك لها فرصة الانخراط في "المدنيّة" !!!