عصاك التي قذفتْها يُسراك النّابضةُ…

أبا إبراهيم، وقد جاءني نعيُك تحرَّك منّي القلبُ بما عُرف عنه من عجَلٍ وتعجُّل فذرفتُ من الدّموع غزيرَها.. ثمّ استيقظ فيّ العقلُ فكففتُها ورحتُ أحمد الله أنْ وهبك تلك الميتة العظيمة التي تليق بتاريخك النّضاليّ البطوليّ النّادر وبطوفان أقصاك المبارك اللّذيْن رجّا الكرة الأرضيّة بدوائرِ عَرْضها الرّئيسيّة رجًّا…

لقد غادرتَ هذه الفانيةَ بطلبٍ سألتَ اللهَ أن يجعله واقعا نُشدانا لمَقام صدقٍ عند مليك مقتدر، فهنيئا لك هذه الاستجابة.

دون أن تُثقلك نياشينُ ضبّاط جيوش عرَبك الشُّرَطيّة المكدِّسة لخُردة الأسلحة الغربيّة التي لم يتجاوز رصاصُها حدودَ جغرافيا "سايكس بيكو" الوهميّة خُضتَ معركتك الأخيرة ضدّ جلّاد شعبك الجبّار(ستظلّ لك مع المحتلّ الغاصب وإن قضيْتَ معاركُ أشدُّ لا يعرفُها إلّا جيشُه الرّعديد وساستُه الحمقى المسعورون) برباطة جأش وإقدام صنعهما نداءُ الشّهادة الذي سكنَك منذ البدايات ورسمَهما إصرارُك العجيبُ على أن تكون خيرَ أسوة لأبنائك الآلاف الذين عاهدوا الله على تسطير الملاحم بأبسط الأسلحة من أجل أرضٍ وشعبٍ وعِرضٍ.

أبا إبراهيم ، لقد أهداك غباءُ عدوّك الزّنيم الذي فنيتْ عِصيُّ استخباراتِه وتكنولوجيّاتِه وأقمارِ أمْريكاهُ الصّناعيّةِ الجوّالةِ ليلَ نهارَ فوق رؤوس عرَبِ ألفِ ليلةٍ وليلةٍ المُصرّين على أن يعيشوا على الهامش في عالَم متحوّل بسرعة البرق ( حكّامُهم يقضون ليلَهم وغالبَ نهارهم في "الحَرَمْلك"، وشعوبُهم يَجمعها الطّبلُ وتُفرّقها العصا)، فَنِيتْ جميعُها في البحث عنك عامًا وبعضَ عامٍ حتّى أريْتَها في ساحة الشّرف الرّفيع عصاك التي قذفتْها يُسراك النّابضةُ بثُمالةِ حياةٍ نحو الطّائرة الصّغيرة الكاشفة الفاضحة لجُبن جيشٍ مخنّث يخشى المواجهةَ ويتبوّل على سراويله العسكريّة رغم ترسانة تِقانَته الحديثةِ…

لن يُضيع التّاريخُ حقيقةَ إجهازهم عليك أنت المُفردُ بصاروخ هدَّ غرفةَ قتالِك المشرِّفِ لك ولنا وللمقاومة الفلسطينيّة الباسلة فوق بعضِ جسدِك الطّاهر المطهَّر. ولو علموا من أنتَ لبذلوا الغاليَ والنّفيسَ للحفاظ على حياتك هديّةً ثمينةً حرمتَهم منها بذكاءٍ وشجاعةٍ وإقبالٍ عجيب على موتِ الكرامِ…

أبا إبراهيم السّنوار، اُرقدْ قريرَ العيْن فما توقّفتْ حماس عن الجهاد باستشهاد معلّمِيك وزملاء دربك من عزّ الدّين القسّام إلى إسماعيل هنيّة مروراً بعبد العزيز الرّنتيسي والشّيخ الكسيح أحمد ياسين... لن يَضيع حلمُك وأحلامُنا وإن طال الزّمان، ولا أراه يطول…

لقد قدّمتَ بموتك واقفا كالنّخل درسًا آخر في مسيرة الحركة تغنّتْ به الرّكبانُ فطاف العالمَ سريعا في زمن الجوّال وغيره من الوسائطِ الحديثة ليُلحق بعدوّك وعدوّنا عارًا فوق عارِ السّابع من أكتوبر وما تلاه من أساطير التّنكيل بعَديدِ هذا الكيان اللّقيط وعُدّته عن طريق شُبّان أبرارٍ نَذروا بتكوينك المتين وعقيدتهم الصّلبة أجسادَههم قرابينَ على مَعبد القضيّة التي جعل منها الأخِسّاءُ هنا وهناك عقودًا مديدةً قميصَ عثمانَ الذي به يُتاجرونَ…

لقد أجبرتَ ميّتًا عدوَّك الغبيَّ المهزوزَ على أن يُقيم لجسدك النّقيّ موْكبًا طويلا مَهيبا من سيّارات فخمة تعيدك إلى الأرض المغتصَبة التي أفنيتَ في معتقلاتها زَهرة شبابك لم ينعم به ضبّاطُ جيشهم المِثليّ المجنزَرون في مواجهات البطولة الخارقة على أرض غزّة المبارٕكة…

حتمًا لك "القرنفلُ"، ولهؤلاء الملاعينِ "الشّوكُ" يُدمي منهم الأقدامَ على أرضٍ علّمتَها العزَّ والإباءَ والصّمودَ والشّموخ والأنفةَ وتركَ أرباعِ الحلولِ وأنصافِها …

أبا إبراهيم السّنوار، لن ينسى الشّرفاءُ دمعتَك التي ذرفتَها استجابةً لسؤالٍ صحفيٍّ مثيرٍ حول ما وجدتموه من خذلان عربيّ صريح، فلا تبتئسْ أيّها الشّهيدُ الشّاهدُ. إنّ على تراب غَزّتك العظيمة مليونيْنِ يذودان عن شرف ملياريْ مسلمٍ انصرف أغلبُهم إلى دُفٍّ ورِدفٍ...! حتّى كَعبتُنا قِبلتُنا، كما قد علِمتَ ورأيتَ، عاد إليها "أصحابُ الفيل" لذلك أناشدُك اللهَ أن تسأل ربَّك وقد وفيْت بما عاهدتَه عليه أن لا يُبطئَ بطيْرِه الأبابيلِ.

إلى جنّة الخُلد أيّها الميّتُ الحيُّ.. وداعًا أيّها الحلَقةُ المتينةُ في سلسلةِ أهلِ اللّه من قادةٍ فصيلٍ مقاومٍ أنجزَ ما عجزتْ عنه جيوشٌ عربيّةٌ نظاميّة لم تصمد أمام هذا النّمِرِ الورقيِّ غيرَ خمسةِ أيّامٍ تَجرَّعْنا بعدها ذُلّا طويل الأمد هدّأتْ من وطأته اللّعينةِ عند الأغبياءِ ومرضى الأيديولوجيا وحدَهم أفلامٌ ومسلسلاتٌ كذبتْ على اللّهِ والتّاريخِ كذبًا صُراحًا…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات