أمٌّ فلسطينيّة من طولكرم تصفع "من المسافة صفر" وسط حشود شعبها الأبيّ الذي وصل سيلُه الزّبى إزاء رئيسه المنبطح أحدَ عناصر فرقةٍ مدرّعةٍ عاليةِ التّسلّح تابعة لمرتزقة اللّامحمود اللّاعبّاس حاصرت المستشفى الذي يتلقّى فيه العلاجَ قائدُ كتيبة نور شمس بسرايا القدس "أبو شجاع" بعد إصابته خلال مواجهة مع جيش العدوّ الصّهيونيّ بغية اعتقاله وتسليمه للاحتلال.
الحدثُ فعلا وفاعلا ومفعولا ومكانا وزمانا مشحون بالدّلالة شحنا. قد يكون المصفوع ضحيّةً بشكل من الأشكال، يلتقط خبزًا مُرّا من سلطة "رئيس" مات فيه الضّمير وانتحرت المروءة ، ولم يحيَ فيه غير كِرشيْه من الأمام ومن الوراء (تذكّروا بيت الشّاعر العراقيّ مظفّر النّوّاب) وخدّيْه الأسيليْن ! وقد يكون على قناعة بتقلّد مَهمّته يؤدّيها بحماس للوقوف مع المحتلّ في وجه الفصائل المقاوِمة المجاهِدة والشّعب الأعزل الدّافع أفدح الضّرائب.
دعونا من نيّة المصفوع (المفعول) ورفاقه، فنحن لم نشقّ على قلبه ولا قلوبهم على حدّ عبارة نبيّنا المعلِّم صلّى الله عليه وسلّم ولْنبق مع الصّافع (الفاعل). هو امرأة، وللمرأة في ثقافة "شعب الجبّارين" المحافظ الذي لم تمسسه مشوِّهاتُ الحداثة قيمةٌ وأيُّ قيمةٍ. إنّها الرّحِم الخِصبُ الذي يهَب للقضيّة رجالَها الأشاوسَ، والزّغرودةُ الأبيّة التي تودّع فلذةَ الكبد شهيدا في ساحة الجهاد مرفوعا على أعناق إخوةِ جبهة القتال وأهل الأرض والعِرض من "شعب الجبّارين"، وهي الصّخرة التي تتحطّم عليها كلّ الأخلاق المارقة المنحرفة (لاحظنا أنّ المسلّح "العبّاسيّ" ابن البلد لم يردّ الفعل احتراما لمقامها المفروض بنواميس مجتمعه في ما أرجّح، أو هو في أسوإ الأحوال، اعتاد الصّفع من جنود الاحتلال الذين يدخلون الضّفّة متى شاءوا وكيفما شاؤوا ليهينوه وزملاءه بالطّريقة التي شاؤوا ثمّ يعودون كأنّ شيئا لم يكن !)…
ثمّ إذا ذهبنا إلى الصّفعة (الفعل) ألفيناها تترجم كأسا فائضة من صبر شعبٍ على "سلطة" متواطئة بلا خجل أو مواربة مع العدوّ تحرسه وتحميه وتُعينه على مجاهدي شعبها الأبرار الأحرار بشتّى الوسائل القذِرة !
هَبّةُ سكّان طولكرم هذه بصفعتها المذكورة استجابةً لنداء المقاومة والعودة ببطلهم مرفوعا على الأعناق إلى المخيّم حيث أهلُه وناسُه وحاضنتُه الشّعبيّة الحميمة التي أعيت العدوَّ الصّفيق تطوّرٌ إيجابيّ في المشهد الفلسطينيّ له ما بعده دون شكّ. قوسُ عبّاس وعسكره الدّونكيشوتيّ المفتوحُ لا بدّ أن يُغلق بأيّ شكل من الأشكال لأنّهم خِنجر في خاصرة مقاومة تذهب بعيدا في تحقيق ما رسمته ملحمةُ أكتوبر العظيمة. فلا مكان للخونة في معركة مقدّسة تجنّدت لها عديد البلدان الغربيّة والعربيّة، للأسف، لإنقاذ العدوّ من هزيمة نكراء قاضية ساحقة ماحقة ترسم طريقَها المقاومةُ الصّامدةُ مدفوعة بما حباها به شعبُها النّادر من دعم معنويّ ومادّيّ منقطع النّظير.
سرايا القدس، كتيبة جنين تعلنها لأوّل مرّة وبالفَم الملآن: "نوجّه رسالتنا إلى أفراد الأجهزة الأمنيّة بعد أن تمادوْا بالإساءة وبعد أن نفد صبرنا بأنّنا نُشهد الله ونشهد النّاس أجمعين أنّهم كما العدوّ لا يفهمون إلّا لغة الرّصاص والقوّة فمن سيعتدي علينا سنعتدي عليه بمثل ما اعتدى ومن يُسيء ويستبيح دماء المجاهدين وأمّهات الشّهداء سيلقى منّا ما سيلقاه".
وضعُ شعب فلسطين ومقاومته المجاهدة مع "أبو مازن" الذي اختار ظُلمةَ التّاريخ وسوادَه تذكّرني بما قال الشّاعر قديما:
ما لي أرى الشّمعَ يبكي في مَواقده
مِن حُرقـة النّار أم مِن فُرقة العسَلِ
مَن لم تجانسْه فاحذرْ أنْ تجالسَه
ما ضرّ بالشّـمع إلّا صحبةُ الفَتٕلِ