وأنا أستعمل بعض طرق البلد الطّويلة الرّابطة بين المدن اعترضتني لافتة مروريّة تدعوني وغيري إلى التّؤدة والأناة وتخفيض السّرعة ضمانا لسلامة الجميع…
لم يكن هذا ما شدّ انتباهي، فهو معتاد، وموكول إلى الدّولة من أجل حماية مواطنيها من أرقام مروّعة لحوادث مرور ما تنفكّ تسجّل بمرارة ارتفاعات مروّعة جرّاء عوامل موضوعيّة وأخرى ذاتيّة لا تخفى على أحد... وإنّما الذي استوقف تفكيري عبارة دارجة "انقلابيّة" (لا تذهبوا بعيدا أيّها النّسناسة !) بائسة تسلّلت كغيرها إلى معجَمٍ حادثٍ ضرَب الضّوابط والنّواميس والقوانين الاجتماعيّة في مقتل فأضحيْنا به نسير على رؤوسنا بدلا من أرجلنا. إنّها عبارة "الرّخّ لا" المكتوبة بعبوة ضاغطة أو مضغوطة، لا أدري، في بعض فراغات اللّوحة بخطّ لا يقلّ بؤسا عن المضمون.
سأترك كلّ ذلك وأقرأ في العبارة الموازية النّاسفة لأختها الأصليّة صاحبة الدّار شكلَها ومحتواها بعضَ إيجابٍ أسأل بحثا عنه وعن إمكانيّة توجيهه إلى ما ينفع النّاس ويمكث في الأرض:
- لماذا "الرّخّ لا" في تدمير كلّ ما ينهض بهذا الوطن المكلوم الذي أثخنته شعارات مقزّزة مبنًى ومعنًى صرنا نسمعها على لسان شبابنا وأطفالنا بُناةِ مستقبلنا الذي يبدو غائما مظلما حالكا، ونقرؤها على جدران المدرسة والشّارع وبلّور السّيّارة الخاصّة والقطار العموميّ ، وفي كلّ المحامل الممكنة التي دأبنا على العبث بها بكلّ ما أوتينا من تنافس وتسابق؟!
- لماذا لا نرفع مثل هذه العبارة في الحثّ على العمل وقيمة العمل اللّذيْن ترتفع بهما الأوطان وتعتلي القمم، واللّذيْن انحدرا إلى القاعة بصورة فعليّة لم يستطع القولُ الكذوب إخفاء نتائجها وأرقامها الكارثيّة الطّافية فوق السّطح؟!
- لماذا لا يُراد لهذه الجملة وما شاكَلها أن تتّجه بنا إلى زرع القيم النّبيلة والأخلاق الفاضلة المفقودة المنشودة والوعي الاجتماعيّ السّليم المرجوّ في بلد حفَر تحت أسسه المخرّبون الوكلاء وئيدا بجرّافات الفكر والأيديولوجيا المكتوب على واجهاتها "حداثة" و"تقدّميّة" و"مدنيّة" وما إلى ذلك من حقٍّ أريد به باطلٌ ومسمَّياتٍ جوفاء مفرَغة من شُحناتها ؟!
- لماذا لا تُعتنق هذه العبارات المنحوتة في أفران التّسّيّب والانحراف والشّذوذ لتطهير البلد من كلّ ما يشوبه ويُقعده على جميع الأصعدة دون استثناء؟!
- لماذا لا نتّجه بهذا المصطلح الهجين، بما فيه من معنى الإصرار والثّبات والجهد المبذول، إلى تشييد وطن لكلٍّ فيه حظٌّ، وطنٍ تحكمه المعايير والمبادئ والثّوابت التي يحترمها الأشخاص المتداولون حكّاما ومحكومين ويتساووْن أمامها في الحقّ والواجب؟!
- "الرّخّ لا" في سرعة السّيّارة والدّرّاجة النّاريّة والتّهوّر المادّيّ والمعنويَّ لم يورّثنا غير حصاد للأرواح وقتل للرّوحانيّات التي بها يكون الإنسان إنسانا يا أبناء هذا الوطن الذي نهتف باسمه في العلَن ونخرّبه في السّرّ بسلوكاتنا الجانحة المفضوحة المكشوفة.
تأمّلوا، ولو للحظة، ما وصلتْ إليه منظوماتُنا التّعليميّة التّربويّة والصّحّيّة والفلاحيّة و… بسبب الفردانيّة والشّقاق والنّفاق وسوء الأخلاق !
"رخّوا شْويّة"… فالانحدارُ شديد سيّداتي سادتي، "لا يْديز آندْ جِنتلمانْ" !!!