سُئل شوقي علّام مفتي العسكر في مصر "المحبوسة" المعزول عزلا فاجأَ القريب والبعيد هذه الأيّامَ (لو دامت لغيرك لما آلت إليك !):"كم حكمَ إعدامٍ وقّعتَ عليه خلال تولّيك المهمّة؟" فردّ بكلام عامّ تهرّبا من هوْل الإجابة الدّقيقة، أو لعلّ ذاكرته لم تسعفه لارتفاع العدد من جهة ولتوطّن نفسه على الفعل الشّنيع الذي أضحى عنده مجرّد سلوك عاديّ متكرّر كشُربه الماءَ وأكله الطّعامَ وغيرهما من سلوكاتنا المعيشيّة الغريزيّة المستعادة من جهة أخرى.
أيّها المُعمَّم (العمامة) المُعبَّأ (العباءة) المبلَّغ ("البلغة")، الإجابة متوفّرة وبالدّقّة المطلوبة، والتّاريخ لا يرحم، فهو يسجّل ما لنا وما علينا.
تقول بعض المصادرأنّك خلال اثنيْ عشر عاما في منصبك وقّعت على 1628 حكم إعدام في قضايا مسيَّسة معلومةِ المبتدَإ والمنتهى ومعروفين ضحاياها... أمّا في القضايا الجنائيّة فقد صادقت على 538 حكم في 2022 و403 حكم في 2021، و295 حكم فى 2020.
قد يكون في الصّنف الثّاني مَن يستحقّ الإعدام بسبب جريمة بشعة أزهق فيها روحا أو أرواحا... لكنّ الإعدام بسبب الرّأي والموقف الفكريّيْن والسّياسيّيْن اللّذيْن يخالفان مشغِّلك الانقلابيّ الدّمويّ الذي جاءت به قوًى خارجيّة يعرفها القاصي والدّاني والذي تعلّقت به جرائم رابعة والنّهضة وغيرهما بعد أن وصل إلى كرسيّه المقدود من جماجم الأبرياء وورّطك في ما يُغضب الله سبحانه ثمّ يلفظك كما تُلفظ النّواةُ.
هل تنام كما ينام الخلقُ وتلك الأرقام متعلّقٌ كثيرُها برقبتك يا "حضرة" المفتي "العشماوي"؟! بماذا ستقابل ربّك وقد لُطّخت عِمّتك البيضاء التي تُغطّي رأسًا بلهاءَ أعمى عقلَها المنصبُ في بلد لم يؤمن بقيادة مدنيّة منتخَبة منذ زمن الفراعنة ؟ هل سترمي جرائمك على المنقلِب، وتقول لخالق الكون الذي حمّلنا رسالة تعمير الأرض وحِفظ النّفس البشريّة إنّك "عبدٌ مأمور" وهو الذي كرّمك بنعمة العقل ليحاسبك على خير أعمالك وشرّها ؟!
كيف تجد الضّحكةُ إلى فِيكَ طريقًا خلال لقائك المتلفَز بعد الاستغناء عن خدماتك القذِرة وتحت عباءتك وحشٌ آدميٌّ أنشبَ مَخالبَه وأنيابَه في بشَرٍ تعلّقت أرواحُهم المزهوقةُ بعباءتك الفاخرة في دنيا النّاس قبل آخرتهم؟!
لا أخفيك أيّها الشّيخ الفاضل (من شاء قرأها فصيحةً ومن شاء قرأها دارجةً تونسيّة) أنّني أشفقت على العجوز والدة خلَفك الغُرانق التي سرت الفرحة العارمة إلى قلبها بمناسبة تعيينه وضجّ بيتُها بالزّغاريد وامتلأ بالمهنّئين، فلو علمتْ جحيم المنصب في دولة يُشرَّع فيها الإعدام ويحكمها فردٌ لذرفتْ دموعا غزيرة.
لقد قرأتُ ما كتبت الصّحافة حول كلمتك وأنت تمرّر المَهمّة لِلاحقك هذا، من ذلك: "وتوجّه إلى اللّه سبحانه وتعالى بالدّعاء أن يُديم على مصر وأهلها فضلَه وكرَمَه، وأن يحفظ أمنها واستقرارها من كلّ شرّ".
يا "شيخ"، أيّ فضل وكرم هذا الذي وهبه الله سبحانه لمصر؟ وكيف يهب جلّ في الله فضلا وكرما لأرض تسودها المظالم؟ لا تُعمّم فتخلط بين نعيمك ومحظيّي النّظام وخَدمه وأبواق دعايته وبين بؤس عامّة النّاس الذين أوشكوا على أكل النّخالة حسب ما يصلنا من صور وأرقام وحقائق عبر الوسائط الالكترونيّة ووسائل الإعلام التّقليديّة المعروفة النّاشطة خارج حدود البلد!
يا "شيخ"، ممّ وممّن تدعو الله الذي لا شكّ أنّك خالفتَ تعاليمه أن يحفظ مصر؟ أمِن الجوع الذي مسّ شعبك "الغلبان" الذي غالطتْه الأنظمة العسكريّة فأطلقت أيدي ضبّاطها يتاجرون في كلّ كبيرة وصغيرة ما ظهر منها وما بطَن؟ أم من معارضة لا ترى مثلك بعيون منصِّبك وعازلِك الحاكم بأمره؟ أم مِن المقاومة الفلسطينيّة التي تواجه ببَسالة حبيبةَ نظامك عاهرة الشّرق الأوسط التي جبُن دونها جيشكم المشغول ببيْع البرسيم على أرصفة البلد؟!
"بالرّاحة وحَبّة حَبّة عَلَيَّ يا علّام عَشانْ أفهمكْ.. ما تِتْكلّمْشْ بْتَمانينْ لِسانْ فْبَعْضْ يا علّامْ".. يقولها النّاظر(حسن مصطفى) للمدرِّس (عبد الله فرغلي) في مسرحيّة "مدرسة المشاغبين" الشّهيرة التي أطبقت شهرتها آفاق العالم العربيّ فأضحت الملايين رغم ما فيها من ضرب التّعليم والمعلّم والتّربية والمربّي !