مرّت أمامي هذه الجملة في أحد أزقّة العالم الافتراضيّ المتلاطمةِ أمواجُه أمسِ: "رئيس البرلمان التّركي نعمان كورتولموش: " دماء عائشة لن تذهب هدرا، وسنحاسب من قتلها في المحاكم الدّوليّة"…
لا أخْفيكم أنّني وأنا أصِل عبارة "لن تذهب هدرا" قد شعرتُ بشيء من فَخر هدّني العطش إليه، وبنَشوة أرهقني غيابُها الطّويل بل الأبديّ بسبب حال المهانة والهوان التي تعيشها الأمّة رغم اعتيادي على القول دون الفعل منذ عشرات العقود... لكنّ هذا الفخر وهذه النّشوة ذهبا هدرا تماما كذهاب دم عائشة (عائشة نور أزغي إيغي النّاشطة الأمريكيّة التّركيّة التي قضت برصاص قنّاص من جيش الاحتلال الإسرائيلي في محافظة نابلس وهي تساند الشّعب الفلسطينيّ الذي يتعرّض لإبادة غير مسبوقة تقريبا) بمجرّد وصولي إلى عبارة "وسنحاسب من قتلها في المحاكم الدّوليّة" !
يا أيّها البائعُ كلامًا مع البائعين مَهلا. وحدهم المغفَّلون يستمعون إلى خطابك المزاحِم لخطابات الكذب والنّفاق والظّهور بمظهر أبطال الدّيجيتال. عن أيّ محاكم دوليّة تتحدّث وقد أدرك أبسطُ مواطن في أضعف بلد على خريطة العالم أنّ العدوّ الصّهيونيّ منذ زمان بعيد فوق هذه المؤسّسات يضرب بقراراتها وأحكامها عَرض الحائط، وأنّ أمريكا التي لها على الورق نصفُ هذه الشّهيدة بحول الله قد باعت أبناءها الأصليّين من أجل هذا الكيان ذي االلّوبيّات الأخطبوطيّة فما بالُك بشابّة هاجرت مع أسرتها من حيث أنت إلى بلاد العمّ سام المتنكّرة لمبادئها تنكّرا مريعا ؟!
أليس أمام دولتك العليّة التي طوّرت ذاتها صناعيّا حتّى غدت قوّة يُقرأ لها حساب غيرُ وهْم "المحاكم الدّوليّة" لاستعادة حقّ مواطنتها الشّهيدة؟! ما الذي فعله الرّئيس أردوغان عِيانًا لفائدة شعب مقهور أحكمت "إسرائيل" وحليفاتها قبضتهنّ عليه تقتيلا وتجويعا وتعذيبا وانتهاكا للحرمات جاءت الفقيدة من بعيد لتقف معه بفكرها وقلبها وجسدها مضحّية بشبابها وبتخصّصها العلميّ وبحقّها في الحياة؟ أألعنُ مراعاته لمصلحة البلد الضّيّقة التي بموجبها تنازل عن دم السّعوديّ خاشقجي واستقبل سفّاح مصر وانقلابيّها خانق غزّة وأهلها ومقاومتها استقبالا مَهيبا، وغازل ديكتاتور سوريا بعد أن قذفه بأبشع النّعوت؟! أليس بإمكانه أن يترك ورجالات دولته الكلامَ المطرَّز إلى الفعل والعمل من أجل شعب مسلم يُباد على مرأى ومسمع من كلّ العالم ؟! أم هل ستقول لي: استنهض عرَبك قبل عجَمك أيّها المتألّم بسبب ما ترى وتسمع في أرض عربيّة مخذولة منذ زمان طويل؟!
قُلْها ولا تخجلْ.. فقط لا تصفعْني بمُسمّى "المحاكم الدّوليّة" أو "قاضي فاس" المتداوَل في التّاريخ على ألسنة النّاس أيّها البرلمانيّ المحترق قلبُه زورًا من أجل مواطِنته المغدورة.