الاحترام والتّقدير والشّكر والثّناء لكلّ محام يؤدّي رسالته بما تقتضيه من شروط أخلاقيّة مطلوبة

المحاماة خطّ الدّفاع الأوّل عن الحرّيّات.. المحامون ملح الحقوق إن فسدوا فسدت وإن صلُحوا صلحت. لكنّهم في النّهاية مواطنون تونسيّون، وما طالهم من تشرذم وخروج عن أخلاق المهنة طال غيرهم من سائر المهن والقطاعات في البلد لاعتبارات معلومة أو غير معلومة يطول شرحها.

وإنّنا من حيث المبدأ لا نقبل أن ينتهكهم أحد. كما لا نقبل بالمقابل أن يستأسدوا علينا معشرَ المواطنين البسطاء فيهدّدنا بعضهم، كما راج في الأيّام الأخيرة، بأن ينقطعوا عن الدّفاع عنّا (رَانا وْخيّانكم ههههه) لمجرّد ما قرؤوا على منصّات التّواصل الاجتماعيّ من تدوينات رأوْا فيها مساسا بما سمّوْه "هيبة المحاماة".

أوّلا، أيّها الأفاضل، أيّتها الفضليات، الهيبةُ لا تُصنَع بمثل هذه الوسيلة في اعتقادي،. ثانيا، أنتم تأكلون خبزكم من المواطنين لقاء خدمة تقدّمونها لهم، وليس لأيّ طرف منكما فضل على الآخر. ثالثا، لقد كان من المفروض أن تتحلّوْا برحابة صدر تزيد القطاع شرفا، وأن تتفهّموا هذا المكتوب الذي لا أدريه، وتتفهّموا سياقَه العامّ. في كلّ قطاع غثٌّ وسمينٌ، جيّدٌ ورديءٌ... ولا نبيَّ ولا ملاكَ في عالم البشر…

حينما وردتني دعوةٌ، السّنةَ الماضيةَ بسبب تدوينة، للالتحاق بفرقة مكافحة الإجرام أو مقاومته (نسيتُ العبارة) بالقرجاني، اتّصلتُ بمحامين "كبار" منهم الصّديق، وصديق الصّديق، وشقيق الصّديق، ممّن يرفعون شعار"الذّود عن حقّ التّعبير" وما شابهه، فتعلّل الأوّل بأنّه في وضع سياقة ثمّ أغلق هاتفه نهائيّا... أمّا الثّاني الذي إعتاد أن يكالمني دون طول غياب فما عاد يردّ فترة طويلة قبل أن يصلني الاستدعاء. عندها أدركت أنّه عارف بالمسألة دوني لكنّه خيّر الهروب فتأسّفتُ قليلا جدّا وتركتُه وشأنَه وارتهاناتِه المخجِلةَ ..! أمّا الثّالث فتعلّل شقيقُه الصّديق بأنّه لم يُجبه حتّى يحدّثه في الموضوع (وكيف لا يُجيب شقيق شقيقا؟!)... أمّا الرّابع فقد تذرّع بندوة لا يستطيع تركها... طبعا لم أدعُ أحدا من هؤلاء إلى أن يكون إلى جانبي لوجه الله، فأنا أقدّر حاجته وحقّه في ثمن أتعابه كما يقول أبناء القطاع.

تبيّن لي، وأرجو أن لا أكون على خطإ في ما تبيّن، أنّ أغلب هؤلاء، إذا استثنينا من جَبُن منهم، وأنا أَعْرَفُ بسبب جُبنه و"قشطته"، وسأحتفظ به للتّاريخ !، يبحثون عن "البوزْ" بالمرافعة عن مشاهير السّياسة والفنّ وغيرهما ممّن يفوق صيتُهم الأذان على حدّ توصيف الشّاعر المصريّ أحمد فؤاد نجم لأمّ كلثوم في قصيدته الاجتماعيّة السّاخرة المعبّرة "كلْب السٌتّ" !

المحصّلة أنّ محامية شابّة تلميذةً لي عزيزةً شقّت معي الطّريق الكأداء مندفعة بروح "الإبنة" التي فاضت فيها شديدا على روح المحامية، واستبسلت في الدّفاع عنّي مربّيا تشكر فضله وتعيد له شيئا ممّا قدّمه لها علما وتربية (هكذا قالت وكرّرت)، والحال أنّها تجاوزتْ ما يمكن أن أكون فعلتُه معها أضعافا مضاعفة.

وهذه حقيقة لا إطراء فيها، فلها منّي، بالمناسبة، كلّ عبارات الشّكر التي تستطيعها لغتي ولا تستطيع. لقد رافقتني عند البحث لدى الفرقة المذكورة ساعات طوالا، وانهارت بالبكاء لمّا اتّخذت النّيابة قرار الاحتفاظ بي قبل إيداعي سجنَ المرناقيّة، فأضحيتُ- أنا المكلومَ - أهدّئ من روعها، وأبسّط لها المسألة، وأجفّف دموعها... ثمّ جعلتْ من قضيّتي قضيّةَ عمرها فاستنجدتْ بكلّ طاقتها ودرايتها الهائلة بالقانون رغم صغرها لتخليصي من مَطبّ أرادته لي زمرة من القوّادين الباحثين عن قصف رقبتي وحرماني من وظيفتي ممّن قاسمتهم "ماء وملحا" في بلدتي الصّغيرة.

(بالمناسبة لمّا حُكمت ابتدائيّا بثمانية أشهر سجنا هرع أحد زملاء المهنة ذو الخلفيّة اليسارجيّة الرّثّة (مع احترامي لليسار الصّميم) إلى تدوينة قصيرة شامتة لم تحمل غير الرّقم العربيّ ٧ ، هكذا حدّثه جهلُه المستدام أنّها ثمانية ههههه. وهذه واحدة من مضحكات أخرى). ولم تتخلّف، أعني محاميتي الفاضلة، وما أكثر الفضلاء والفضليات في هذه المؤسّسة كما في غيرها، عن زيارتي أسبوعا واحدا رغم ما كان ذلك يكلّفها من عناء ومشقّة ومصاريف وإهدار للوقت تحتاجه لشؤونها الخاصّة حتما حتّى "حسدني" كثير من السّجناء الذين اضطرّ بعضهم إلى دعوة القاضي الماثلين أمامه في بعض الجلسات إلى فكّ ارتباطهم بمحامييهم لأسباب كثيرة يطول شرحها ويُدرأ بها عن المساس ب"هيبة المحاماة".

انضمّ سريعا إلى محاميتي "الإبنة" هذه محام ابنُ عمٍّ تحرّكت فيه "قطرة الدّم" (عبارة شعبيّة لا يدرك كُنْهما الكثيرون في زمن التّمزّقِ العلائقيّ والميوعةِ المتسلّلة إلى كلّ مناحي حياتنا والأدلجةِ الجارفة للجيرة والعِشرة وصلة الرّحم ...) لُيعاضد جهودها منذ عرضي على النّيابة بعد يوميْ بوشوشة متجشّما عناء التّنقّل إلى العاصمة مئات الكيلمترات تاركا مصالحه وأسرته مرافعا بكلّ حبّ وحماس ودراية باذلا ما استطاع بذلَه من جهد وخبرة في سبيل أنهاء سلب حرّيتي وعودتي إلى أسرتي وعملي.

وقد نجحا، والحمد لله، في تحقيق المطلوب. فلهما، منّي، ولكلّ محام وغير محام يؤدّي رسالته بما تقتضيه من شروط أخلاقيّة مطلوبة كلّ الودّ والاحترام والتّقدير والشّكر والثّناء…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات