يا أمّةً...!

ما الذي يجري عندنا معشر العرب؟ لقد قعدنا عن الفعل في الواقع قعودا مخجلا فلم ننهض لا بتربيتنا ولا باجتماعنا ولا بسياستنا ولا باقتصادنا لأسباب قليلُها موضوعيٌّ وكثيرها ذاتيٌّ (لا يجب أن نحمّل الآخر المسؤوليّة هروبا من جَلدٍ للذّوات واجبٍ) حتّى ألفيْنا أنفسَنا حكّاما وشعوبا نعيش هشاشة بالغة ونربط مصيرنا بما يجدّ في الدّول الكبرى التي شدّتنا بها النُّخَب المأجورة بحبل سُرّيّ لا يُراد له أن ينقطع.

نعيش لبطوننا وفروجنا كما تعيش العجماوات ثمّ نتابع عن طريق منجزات هذا الآخر التّقنيّة الاتّصاليّة التي عمّقت باستعمالها الأرعن فُرقتنا "معاركه" الانتخابيّة، فيهلّل بعضُنا لهذا ويتمنّى من كلّ قلبه أن يصل إلى سدّة الحكم كي يدعس شركاءه في الوطن الذين يعيش فيه لأنّه يختلف معهم في الفكر والسّياسة أو على الأقلّ يسأله بينه وبين نفسه طبعا إدراجَهم ضمن قوائم "الإرهاب" (مصطلح مطّاط ذهب به الذّاهبون هنا وهناك حيثما شاؤوا ولمن شاؤوا وكيفما شاءوا ومتى شاؤوا، فحتّى مقاومة غزّة لم تسلم من هذه "المعلّقة السّيّئة" والتّسمية المعلّبة في مصانع معروفة...)، ويتلهّف بعضُنا الآخر لفوز ذلك حتّى يجد له موطئ قدَم "بفضله" في بلده هذا أو ذاك لأنّه عاش فيه مرتعشا يستجدي اعترافا بمُواطَنة ولو من درجة ثانية أو ثالثة فلا يجده…

يساريُّنا يعتقد وهْما أنّه ظِلُّ لليسار الغربيّ (الفرنسيّ وغيره) في بلداننا وما هو في الحقيقة إلّا نسخة مشوَّهة بعيدة كلّ البعد عنه، فتجربتُنا معه تؤكّد أنّه في أغلبه (دون تعميم) مزيَّف يكره الدّيمقراطيّة فعلا ويعشقها قولا، ويميل إلى الأنظمة الكلّيّانيّة الشّموليّة يلتقط ما بقيَ من سنابل حقولها العجفاء، ويهدّد بهذه السُّلط خصوم أيديولوجيّته المبنيّة على استعداء الدّين والهويّة في سير معاكس للنّموذج "المحتذى"، ويقاتل بكلّ الأساليب من أجل ديمومة مصالحه المكتسبة من خدمة هذه الأنظمة القائمة عقودا...

أمّا يمينيُّنا فدرويشٌ ساذجٌ بسيط تبسيطيّ يعتبر نجاح غريمِ خصمه في بلدان الغرب المنافق للعدوّ و"الصّديق" انتصارا مظفّرا يفتح له أبواب الوطن الموصدة في وجهه دهرا، أو يعوّل على شرقيّ (من غير العرب طبعا) له حساباته الخاصّة الغادية الرّائحة كي يوفّر له مساحة صغيرة في وطنه الأمّ الذي ظلّ متحوِّزوه القدامى المتجدّدون يَعدّونه فيه غريبَ الوجه واليد واللّسان، وليتقدّم به في سلّم السّياسة والاجتماع المحلّيّيْن، كما أنّه يجعل ممّا تسجّله حماس من ملاحم مدعاةً لفخره على أساس أنّها منه وأنّه منها فهُما في جسديْن روحٌ !...

زدْ على ذلك فصيلا ثالثا مستطيعا بغيره يُمسك بتلابيب اليسار يستمتع بأن يلعب معه دور المقطورة، يشاركه نفس الهدف والفعل والحسابات تجاه الفصيل الثّالث بل يتجاوزه في الحقد عليه. أقصى أمانيّه بقاءُ نظام سوريا، ولو بدون شعب، فقط لأنّه آخر المعاقل "المقدَّسة" التي "رمت بإسرائيل في البحر" ومهّدت بذلك الطّريق لحماس وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينيّة كي تبلوَ البلاء الحسَن هذه الشّهور الأخيرة ضدّ العدوّ "الخالد" المنهَك من "حروب" لم نرَ بطولاتها ومنجَزاتها الإيجابيّة في غير الدّراما المصريّة التي أبدلت وجهة التّاريخ إلى زيٍفه وضخّمت الحسابات البنكيّة لممثّلين (اسم على مسمًّى) شاهدناهم يتجاوزون رصاص الكلام في انقلاب مصر إلى رصاص السّلاح في واقعة رابعة الأليمة التي فضحت "إنسانيّتهم" فضْحا !

يا أمّةً..!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
المنجي جلالي
11/07/2024 11:15
رجاء منشوري بعيد كلّ البعد عن الصّورة المرفَقة. إنّه يذهب إلى واقع كيانات فكريّة متنوّعة، وعلى امتداد العالم العربيّ دونما إشارة من قريب أو بعيد شخوص. تُرجى مراجعتها من فضلكم
الزراع
11/07/2024 22:50
أستاذالمنجي، إختيار الصورة ليس اعتباطيا و يقع الإختيار بعد قراءة المقال و الصورة ليست لها علاقة بالأشخاص بل بالممارسة اليسارية...شكرا