لنبتعد هنيهة عن "التنبير القْشي" حول شعار "إلي يقصد يقصد الدار الكبيرة" ولنسأل...لماذا اختاروا العبارة؟ لفهم القصد...يجب الرجوع للأصل…
الأصل هو التجمع....والتجمع معروف بأنه حزب زبائني وليس عقائدي....بمعنى أن الناس تلتحق به لمصلحة شخصية يوفرها لها باستغلال جهاز الدولة الذي يتحكم فيه ليحقق المصالح بدون وجه حق...وبمختلف الوسائل التي يعاقب عليها القانون…
وقد أحيل الكثير من المسؤولين النوفمبريين إثر الثورة على المحاكم من أجل ذلك لما لم يعد التجمع يتحكم في أجهزة الدولة...ومنهم الكثير دخل السجون.... والكثير من الملفات الأخرى موجودة لدى هيئة الحقيقة والكرامة، وهو السبب الأصلي غير المعلن لمعاداتهم لها، بدون الدخول في تقييم أداء الهيئة لأنه خارج عن هذا الموضوع....
والأصل أن قيادات النداء التي انفردت بالنداء...بعد تأسيسه من طرف حساسيات سياسية متنوعة...أصبحت كلها تجمعية بعد خروج بقية الحساسيات…
وعلى رئسهم الآن رئيس الدولة ورئيس الحكومة والكثير من الوزراء ورئيس البرلمان والرئيس الفعلي للنداء …فعلي لأنه يترأس حزب غير قانوني مخالف لقانون الأحزاب...ولم ينجز إلى الآن مؤتمره التأسيسي...كما كان التجمع مخالف لقانون الأحزاب لسنة 1988 لأنه لم يمتثل للأحكام الإنتقالية الواردة به...وهي عادة لدى التجمعيين بأن لا يمتثلوا للقوانين التي يفرضوها على غيرهم ...وهذه حكاية أخرى أيضا…
والأصل أن هذه القيادات... غير قادرة على التأقلم مع الواقع الديمقراطي الجديد.... فهي تطبق المثل القائل "حليمة رجعت لدارها القديمة"...كلما سنحت لهم الفرصة... فأصبحوا يعلنون للناس بكامل الصراحة أنهم أصحاب "الدار الكبيرة"...كما كانوا... بمعنى أنها هي وحدها القادرة على تلبية مصالحهم…
لأن المقصود بها دار الثروة التي بها المأكل والمشرب والراحة... بعد الشقاء والإنهاك والسفر الطويل...في الجوع والفقر والخصاصة.... وبالطبع فإنهم يقولون ذلك لأنهم متيقنين من سيطرتهم على جهاز الدولة ومختلف منافعه...ويعلنون للناس أنهم هم القادرون على توزيعها على من يقصد دارهم....
والكل يعلم أن الحزب الماسك بجهاز الدولة هو وحده القادر على ذلك...حتى أولئك غير المهتمين بالشأن العام.... فلقد تربى التونسيون لعقود تحت هيمنة الحزب الواحد...غير المنفصل عن جهاز الدولة ومنافعه....حتى أن التجمع كان يتشدق بأن له مليونين من المنخرطين....وهم طبعا زبائن....
هذا الشعار موجه لهؤلاء.... خصوصا قبل انتخابات بلدية...موجه للمعوزين والمهمشين والذين لهم مصلحة خاصة مثل تشغيل ابن او بنت او تسوية وضعية بناء بدون رخصة أو المطالبة بكشك أو رخصة....الخ...ويريدون تحقيقها... وهؤلاء كانوا حطب وقود التجمع في انتخاباته المتكررة المدلسة…
هي تربية تجمعية قديمة لم يتخلصوا منها...بل استنجدوا بها لكسب الانتخابات البلدية المقبلة.... وتاريخ تونس يبين أن ما وراء عقلية "الدار الكبيرة"... ينتج عنها استغلال النفوذ...والفساد والإفساد…