اليسار التابع لليمين في بالو يتكتك مع اليمين ويستغل فيه...يتناسى او لا يعرف أن التكتيك في السياسة يستوجب وجود قوة...لأن ميزان القوى في السياسة هو المحدد للربح من وراء التكتيك…
يتناسى هؤلاؤ انهم لا يمثلون سوى فواضل صغيرة في الخارطة الإنتخابية…وغير موجودين جماهيريا…ولن يصلحو لأطراف اليمين التي يتعاملون معها ضد أخرى… الا كحطب وقود وبوق دعاية بمقابل وفي أغلب الأحيان بدونه…
في 2014…بعض هذا اليسار صوت للنداء في التشريعية من الدورة الأولى…وصوت للسبسي في الرئاسية…بدعوى الفوت ايتيل… وفي الدورة الثانية اعتبرو كل من احتفظ بصوته من اليساريين الآخرين …متحالف مع النهضة…ان لم يكن خائنا…ويعمل لصالحها… ولما صفعهم السبسي واحتقرهم…وتحالف والنداء مع خصومهم…النهضة…ولم يلتفت إليهم…لم يراجعو أنفسهم…ولم يقدمو نقدهم الذاتي…بل بقوا ماسكين بأسفل جلبابه…ومنهم من اقتصر المسافة فالتحق به…
وهذا كان معلوم قبل الإنتخابات بأشهر لمن فهم تصريحات السبسي بعد لقائه التاريخي في باريس مع الشيخ…ولكنهم رفضوا الإقرار به بمنطق معيز ولو طارو…لأن رغباتهم الشخصية هي التي تحركهم دون سواها…
الغريب ان هؤلاء يعيدون كتابة مهزلتهم اليوم…مرة اخرى….وذلك في شكل سيناريو مشابه سيء الإخراج …وسيكون فضيع…بمناسبة اندلاع الحملة الانتخابية الشرسة السابقة لأوانها بين قوى اليمين… اطلقوها على أساس التظاهر بالدفاع عن مشروع مجتمعي….مرة أخرى (وهم متفقون على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لصندوق النقد الذي يسانده الاتحاد الأوروبي…وهم متفقون على الميزانية الحالية والتي ستليها)…ولكن واعزهم الوحيد جميعا إعادة الانقضاض على مفاصل السلطة ومغانمها…بالتموقع في الصدارة عن طريق الإنتخابات المقبلة…
هؤلاء المتذيلين من اليسار…هم الآن بصدد التموقع مرة أخرى في اذيال احد أطراف اليمين الحاكم…والذي سيتحالف مرة أخرى لا محالة مع النهضة….بعد الإنتخابات…طالما أنهم يشتركون في نفس البرنامج الاقتصادي والاجتماعي المملى من صندوق النقد بدعم من الاتحاد الأوروبي…وان النظام الانتخابي لا يمكن أي طرف منهم من الحكم لوحده… إلا اذا تحصل على أصوات أكثر من نصف الناخبين…وهذا مستحيل على اي طرف من اليمين الحاكم حاليا…
هؤلاء المتذيلين… يواصلون تحليل الواقع السياسي الموضوعي الملموس انطلاقا من انطباعاتهم ورغباتهم…وليس انطلاقا من فهم استراتيجيات وتكتيكات وخلفيات الأطراف اليمينية المتنفذة….وعلاقة القوة الجماهيرية بين هؤلاء الأطراف فيما بينها…وخصوصا وهذا هو المحدد بينها وبينهم. ..
اما جماعة العجوزة بنت الوادي…فهم رغم اخذهم لمواقف عامة مستقلة عن أطراف اليمين الحاكم…ويتباينون معها…ولم يضيعوا اجمالا البوصلة في اتخاذ مواقفهم …فإنهم مضيعين منذ الثورة بوصلة الفعل السياسي الديمقراطي الجماهيري…وليس لهم برنامج حكم بديل رغم ادعاء بعضهم العكس …وهم معزولين عن الجماهير العريضة…وليست لهم بالتالي قوة انتخابية…وبعضهم ينتظر لثورة جديدة لن يكون بالضرورة مؤثر في قيادتها لفقدانه بصفة عامة الاتصال المباشر المنتظم بالجماهير الشعبية المنعزل عنها….
هذا علاوة على تفتتهم ونهش بعضهم البعض أحيانا إلى حدود تحت المبدئية عودنا بها اليمين…مثل محاولات "اثبات" ان زعيم حانوته المعزولة عن الجماهير العريضة هو المنقذ… وان الآخر هو المسؤول وحده عن الوضع المخزي الذي عليه اليسار والقوى الديمقراطية الاجتماعية… وهو لا يستوعب أن بفعله هذا يساهم في جعل هذا الوضع مخز أكثر….يحلم بدون ان يدري بحكم الفرد… ولا يستوعب العمل الجماعي…
وهو متجاهل ان دستور الثورة أعطى السلطة الأصلية لمجلس النواب وليس لرئيس الجمهورية لوضع حد للحكم الفردي الذي جثم على صدور أفراد الشعب التونسي طيلة عقود وحتى على جماجم من صفاهم…
ومتجاهلا ان تطبيق اي برنامج سلطة تتولاه الحكومة المنبثقة عن المجلس…مما يستوجب حزب جماهيري كبير للمنافسة الجدية والمؤثرة في الانتخابات التشريعية….ولا للمنافسة على الرئاسية بزعامات كرتونية في أعين الناخبين…
ومما يزيد الطين بلة إمعان كل هؤلاء في رومنسيتهم الثورجية وانعزاليتهم….وحتى في تصفية جزء من مناضليم بدعوى النقاوة الثورجية وهي انتهازية ومصلحية…او بتشخيص الخلافات السياسية… وبالتراشق بالتهم الطفولية في وجوه بعضهم البعض… كل ذلك رغم وضوح فشلهم المتواصل منذ الثورة في إقناع الجماهير العريضة….التي يتكلمون باسمها…في ان تكون ورائهم…
وهم يروجون خطابا ماورائي من حيث انبتاته عن الواقع الحالي…يدعون فيه أنهم هم المستقبل…والحال أنهم كلهم من الماضي ومن كتبه التاريخية ومقولاتها… وقد بينو بما فيه الكفاية أنهم عاجزين على فهم واقع الحال والتنظير السياسي للمستقبل…كما فعل كل من فهمو زمانهم ممن سبقوهم…ونظرو له…في زمانهم …ولزمانهم….
لماذا كل هذا يا هذا؟
انه بديهي والكل يعرف ذلك….لأن اليسار والقوى الديمقراطية الاجتماعية مشتتة… وكل زعيم وهم كثر….وكل مجموعة… وكل حانوت… "عامل فيها مني تخرج"… وطبعا في هذه الوضعية البائسة…وفي هذا البؤس السياسي …نجد التكتيكات المتناقضة تتصارع… بين الحوانيت والزعماء واتباعهم…والكثير منها لمصالح شخصية انتهازية تختفي وراء "تنظيرات"…وخصوصا الكثير من ضياع البوصلة…وأحيانا حول بديهيات…وحتى الخيانات للمبادىء…
ستبقى دار لقمان على حالها…
طالما لم يجتمع اليسار في حزب سياسي (وليس ايديولوجي انعزالي بطبيعته…أو مؤسس على علاقات شخصية ومصلحية… كما هو الحال الآن)…
طالما لم يجتمع اليسار في حزب واحد موحد…يكون ديمقراطي وجماهيري…وله مؤسسات ممثلة لقواه الحية وطاقاته الكثيرة المتنوعة في كل مجالات الحياة التي تشاهد المشهد البائس منذ الثورة من فوق الربوة…وقيادات منتخبة من القواعد…وتحسم فيه المسائل السياسية والتنظيمية وتعيين المسؤولين بالتصويت من طرف القواعد العريضة…حزب يعمل من أجل الحكم…ببرنامج حكم دون سواه…ولا بمطالب يطالب اليمين بتنفيذها وهو لن ينفذها….
حزب يتحالف من أجل الحكم مع القوى الديمقراطية الإجتماعية التي يتوافق معها على البرنامج المرحلي في المجالين الديمقراطى والاقتصادي الإجتماعي…كما تفرضه المرحلة….ويفرضه النظامين السياسي والإنتخابي ..
وطالما تبقى المعارك الشخصية القذرة… والحانوتية المغلفة "بالتنظيرات"…واللهث وراء الفتات الذي يسمح به هذا الطرف او ذاك من أطراف اليمين الحاكم…هي الهدف الذي يجري وراءه هؤلاء…سيبقى الوضع على ما هو عليه… وفي عدم انجاز ذلك… سيبقى الشعب التونسي بدون قوة سياسية جماهيرية تبعث فيه الأمل…أمل تغيير واقعه المعاش وتحسين وضعه الإجتماعي …والنهوض بتونس اقتصاديا واجتماعيا إلى واقع أرقى…وسيبقى الشعب يعاني بسبب انتهازيتهم وفشلهم…
وفي عدم إنجاز ذلك….ستبقى البلاد والعباد…مهددة برجوع الاستبداد الفاشي…وبتدهور الإقتصاد والمكاسب الاجتماعية المتواصل…لأن الديكة خاصتنا دخلت غابة الذئاب مزهوة بريشها…
لقد نصبتم أنفسكم ديكة…متحدثين باسم الشعب ومصالحه واستحقاقات ثورة الحرية والكرامة… ولكنم انتم الذين خذلتم الشعب والثورة…وليس اليمين…إطلاقا…فهو قائم بدوره الموكلة له على خلافكم….هو يدافع عن مصالح الأقليات الاقتصادية والاجتماعية التي يمثلها ويعلن ذلك… وهو لا تعنيه استحقاقات الثورة…بل هو ينسف مكاسبها يوما بعد يوم…ويعلن ذلك أيضا…لان ذلك هو دوره كذلك…
وبالمناسبة كفو عن التستر عن فشلكم بالتنديد به وشتمه صباحا مساء ويوم الأحد…فهو قائم بواجبه تجاه من يمثلهم….على خلافكم…
ملخر….
موش وقيت "نسترجلو" مع هذا الشعب ؟ ونخدموه ونفكرو فيه…موش باسمو نخدمو ونفكرو في أنواتنا المتورمة…ومصالحنا… بدون وجه حق؟