خمار أو لا خمار مسألة شخصية...ما دخلكم؟

Photo

خطاب للأجنحة الدعوية المتاسلمة...و للأجنحة الدعوية "العلمانية"..

حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية..."وجهان لعملة واحدة"... لأنه لا توجد حرية معتقد بدون ممارسة شعائر دينية...ولا توجد حرية لا معتقد بفرض ممارسة شعائر دينية... هذا ما يرفض استيعابه متأسلمون أو "علمانيون"...وهو بسيط جدا...ولكنهم يعقدونه…

فاذا كان الدين مسألة شخصية، فإن ممارسة شعائره مسألة شخصية أيضا لا غير...لأن لكل دين أو طريقة دينية شعائرها…

ومسألة حجاب المرأة في الكثير من المجتمعات إسلامية أو غيرها... يدخل في الشعائر الدينية لا غير... فهي كانت موجودة عبر تاريخ الشعوب الإسلامية المختلفة...طبقها بعضهم بمختلف الأشكال في اللباس حسب تقاليدهم...ولكن أيضا لم يطبقها آخرون ولم يعتبروها من الشعائر الدينية في الأسهم…

وهذا حدث في تونس أيضا هكذا...عبر التاريخ...وحسب الجهات.... وهذه الشعائر كانت موجودة أيضا ولا تزال لدى منتسبات لديانات أخرى مثل اليهودية والمسيحية...إلخ.. قلنا في تونس كانت موجودة أيضا بألبسة لم تبقى في معظمها موجودة الآن، وأصبحت حتى من التقاليد في مجتمعاتنا…

ولكنها رجعت بأشكال جديدة في اللباس مستوردة من الشرق العربي في بداية السبعينات من القرن الماضي...(كما استوردنا أشكال من اللباس غربية)... بعد الدعوة لها أساسا وترويجها في المجتمع من طرف الجماعة الإسلامية ثم الإتجاه الإسلامي... (ويجب التذكير أنه لم يكن وحده...وهذا ما يتناساه الكثير) …

ولكنهم روجوا لها بوصفها من الشعائر الدينية الملزمة دينيا...واستعملوها ووظفوها للتحشيد السياسي المغلف بالدين... لأن هذا التيار السياسي تأسس على توظيف الدين...كغيره في مجتمعات أخرى ذات ديانات أخرى...باستعمال الدين للتحشيد السياسي…

وهذا التيار أصبح يعترف بذلك ضمنيا... خصوصا بعد التصويت على الدستور...وفي مؤتمره الأخير أقر التفريق بين الخطاب والعمل السياسي والخطاب والعمل الدعوي، وهو قرار يجب متابعة تنفيذه…

ولكن هناك بعض "العلمانيين"...وهم أقلية...لم يتأقلموا لحد الآن مع الدستور ومع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان... فهم يواصلون لحد الآن القيام بعمل دعوي مضاد... وكأن مسألة الخمار وحرية اللباس ليست مسألة دينية شخصية....او شخصية بدون ان تكون لها أية خلفيات دينية (والكثير من النساء هن على هذا المنوال)...بل عنوان مهم في اجندتهم السياسية...مثلما يفعل دعاة التاسلم…

وقد واجهت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان هذا الموضوع ضد بن علي...لما عمد بوليسه في بداية الألفية الحالية قمع النساء المرتديات للخمار وهرسلتهن ومنعهن حتى من العمل والدراسة....فتكاثرت الشاكايات الموجهة لها ولفروعها…

وبعد نقاش عميق استنادا على المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وهي عصارة وتجربة مختلف الحضارات الإنسانية والأديان...واستنادا على معايناتها الميدانية... توصلت إلي بلورة الموقف القائل بضرورة "احترام حرية اللباس للجميع"...وهو الموقف التونسي بالعبارات التي تتوافق مع ما بلغ إليه التونسيون من تحضر وتوق الحرية الشخصية وهو طبعا مؤسس على أن الدين مسألة شخصية وممارسة شعائره الدينية مسألة شخصية بالتبعية.... …

وأصدرت الرابطة البيانات تلو البيانات ونظم فروعها رغم التضييق عليها،التحركات الاحتجاجية لمساندة النساء المنتهكة حقوقهن الشخصية....

وهذا الموقف سايرته او تبنته مختلف الحساسيات السياسية العلمانية...إلا بعض المتادلجين منها الذين واصلوا عملهم الدعوي...إلى اليوم...مثلما يواصل في الجهة المقابلة الدعويين المتاسلمين سعيهم لفرض الخمار أو النقاب على النساء…

والدليل اليوم على ان حرية اللباس مسألة شخصية...ولا علاقة له بالموقف سياسي... (والذي لا يجب الاستهزاء به كما يفعل بعض المؤلفة قلوبهم جهلا، بل احترام حرية التونسيات في لباسهن كما شئن)...أنك تجد نساء يساريات او تقدميات او ديمقراطيات يضعن الخمار....وتجد في المقابل نساءا في حركات مثل النهضة لا يفعلن....

وهذه حريتهن المطلقة....ولأني متربي لا أتجاسر بأن اقول لمن يتدخل في شؤونهن "يشرب بول البعير"...لأنهن حراير…

فهل أن هؤلاء الأشاوس أذكى منهن؟

لا أعتقد ذلك ممن ينكرون عليهن حقهن في ممارسة حرية شخصية في حياتهن الخاصة…في دولة مدنية؟
وفي الحقيقة فإني لست على يقين من ذلك…إطلاقا… ما استفزني على كتابة هذا تكاثر "التنبير" على مترشحات في قوائم انتخابية يسارية أو تقدمية أو ديمقراطية يضعن الخمار…ومترشحات في قوائم النهضة بدون خمار….

هذه حرب دعوية بين المتأسمين القائمين بالعمل الدعوي لوضع الخمار… و"العلمانيون" الذي لم يفهموا العلمانية، ولو ادعوا أنهم وصلوا إلى أعلى درجات العلم، والقائمين بعمل دعوي لإزالته…

هما في الحقيقة بشكليها المتناقضين المتصارعين ظاهريا…وجهان لعملة واحدة…من جهتهم… لأنهما يشنون حروبا على الحرية الشخصية للمواطنات التونسيات…وينتهوكون الفصل السادس من الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة…

وقد بينت التجربة بعد الثورة، ان الخاسرون من هذا الصراع، هم المدافعون عن الدولة المدنية الديمقراطية، بمختلف حساسياتهم… وأن هؤلاء "العلمانيين" يترصدهم المتاسلمون الدعويون للسقوط في شركهم في هذا النوع من المعارك الخاسرة…وهم لا يفقهون…

أعنهم يا ايلاهي…او أعنا عليهم..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات