أعتقد أن محمد عمار، رئيس الكتلة الديمقراطية والقيادي في التيار الديمقراطي، في حواره مع جريدة "الأهرام" المصرية أساء لتونس ولديمقراطيتنا قبل أن يسيء لحزبه الذي بات من اللازم اتخاذ موقف واضح منه طبعا إن كان معنيا بإنقاذ هويته السياسية لدى جمهور بدأت تأخذه الريبة من بعض "الانفلات" .
إعطاء حوار إلى جريدة الأهرام في مصر، وهي أحد أبواق دعاية نظام الاستبداد وتبييض الانتهاكات، يعني البداية القبول بحوار لا يمكن أن تثير فيه موقف التيار (المعلن منذ سنوات) من نظام الاستبداد في مصر.. لكن هذا يمكن تجاوزه إن أجريت الحوار وأنت عالم بنوايا الصحيفة وأهدافها من الحوار، ولكن الخيبة أن تجري الحوار ويقع توظيفك، بل تنخرط فيما أرادته الصحيفة وهي تحاورك.. وأنت هنا رئيس الكتلة البرلمانية المعارضة الأكبر في تونس، وهذا المفترض أن يجعلك أكثر مسؤولية، ولكن..
قدمت الأهرام المشهد التونسي في الحوار كما تعوّد إعلام السيسي منذ 2013 تقديمها: أزمة اقتصادية واحتجاجات وإرهاب ومشهد سياسي متأزم مقابل التغافل المطلق أننا بلد ديمقراطي وأن المشهد السياسي تقع إدارته بآليات دستورية.. حينما يقع السؤال عن الأزمة المركبة في تونس، ونحن لا ننكرها وليس المطلوب التزييف، المفترض أن تجيب وأنت تعلم إلى أين يدفع محاورك وأي رسالة يريدها للداخل المصري...فكان أن تثير، ولو بشكل خجول يُمرر في صحيفة مصرية رسمية، أن الوضع ليس سوداويا مأساويا.. ببساطة يعني .
لكن المؤسف أكثر أن تتوسع في استعراض موقفك من النهضة ويقع جرك لذلك بأكثر من سؤال متناسيا دائما أنك أمام صحيفة ترى الإسلاميين شياطين مكانهم في السجون.. أن تدعو الغنوشي للاستقالة والذهاب إلى الحج كي يغفر عن ذنوبه، هذا كلام تقوله في تونس أو غيرها، لا مشكل، لكن من قلة الذوق أن تصرح به لصحيفة رسمية مصرية.
لا أؤمن بالتحفظ الذي قد يأخذ شكل إخفاء للحقيقة في الحوارات مع الإعلام الأجنبي، لكن أؤمن أن المسؤول التونسي يجب أن يعي حينما يصرح لوسيلة إعلام أجنبية بأمرين: خطها التحريري وجمهورها ليحدد زاويته ويرتب أولوياته وينتقي عباراته.. وذلك كي لا يعطي رسالة سياسية أو اتصالية في غير ما أراد أو كي لا يتم توظيفه في أسوأ الأحوال .
محمد عمار وهو صحفي قبل أن يكون فاعلا سياسيا أعتقد لم يغب عنه ذلك.. مؤسف أن يسيء لتونس وحزبه بحواره في "الأهرام".. والتيار كان قد أساء لجمهوره، أو لجزء منهم على الأقل، حينما قدّمه ناطقا باسمه ورئيسا لكتلته! مؤسف حقا أن يواصل هذا الشخص خدش هوية التيار الديمقراطي والتلاعب برصيده.