خيار العميد بودربالة في الاصطفاف إلى جانب سلطة الاستفراد والوصاية هو خيار سياسي بتقدير شخصي لا يمت بصلة لإرادة عموم المحامين، بل لا يتطابق حتى مع موقف مجلس الهيئة الذي كان رفض مشاركة الهيئة في أي حوار شكلي ويقصي القوى السياسية والوطنية.
ولتكن الصورة واضحة من الآن، العميد بودربالة هو عميد السلطة، هذا ما سيخلّده التاريخ، وما ستعرفه الأجيال القادمة عنه كما يعرف ويعرّف جيلنا اليوم من سبقوه.
دافع العميد عن معارضين زمن بورقيبة، لكن بعد انقلاب 7 نوفمبر، كان ممن اختار أن يكون في ظلال السلطة، وقد كان من مؤسسي "الاتحاد الديمقراطي الوحدوي" وهو حزب قومي وظيفي أسسه عبد الرحمن التليلي بإيعاز من بن علي للإيهام بالتعددية، وهو الدور الثابت للحزب مع أحمد الاينوبلي إلى غاية إسقاط بن علي .
زمن رئاسته لفرع تونس من 1992 إلى 1998 لم يكن العميد، في أبسط توصيف، في قائمة "المناوئين" وهي التعبيرة الشهيرة في تقارير الإرشاد ضد معارضي النظام.. ثم طيلة سنوات الترشح للعمادة، لم يكن معنيا بمعارك التحشيد ضد السلطة.
مسيرة العميد بودربالة هي مسيرة من اختار منذ عقود أن يكون في ظلال السلطة وعلى تخومها، وانخراطه السخي في مشروع سعيّد اليوم لا يشذ عن ذلك.. تاريخ المنظمات الوطنية والقطاعية يخبرنا دائما أن تصدير شعار المهنية والاستقلالية لم يكن واقعا إلا مخاتلة لتبرير الاصطفاف إلى جانب السلطة ضد المعارضة..
سيقف التاريخ مليا عند هذه المرحلة تشريحا وتفصيلا، وسيكثّف الخلاصة أن المحاماة الرسمية خضعت لمشروع شعبوي رث، وأن عميد المحامين وقتها كان عميد سلطة.. هكذا وبكل اختصار.