الأحقاد قد تشفي قلوبا مريضة لكنها لا تبني أوطانا.. في لحظات الفرز الديمقراطي والحقوقي، إما تنحاز لمبادئك أو تخونها ببساطة، لا توجد منطقة وسطى.. إما تكون ديمقراطيا حقوقيا بما يعنيه من كلفة الموقف وإما تكون عبد الفتاح السيسي من جوّاك ببساطة.. "العائلة الديمقراطية" متحبّش "العيّاق".
ما يحصل لا يحتاج مجهودا كبيرا لفهمه.. السياق العام واضح: رئيس دولة يخرج كل يومين يتهم خصومه بالتآمر على أمن الدولة (التقارير الأمنية اليومية حول اللقاءات بين السياسيين هي "قرينة إدانة" عنده).. نهاية الأسبوع الماضي يوم الجمعة، استقبل (من اعتبر نفسه رئيسا للنيابة العمومية للتذكير) كاتبته ليلى جفال لتنزيل أحكام الرئيس القاطعة باستعمال الأدوات القضائية التابعة مع ضابطة عدلية تعمل والرقابة القضائية تؤشر (نستذكر هنا التقارير الأمنية التي أعفت قضاة بسبب عدم قيامهم بالمطلوب من الأجهزة الأمنية وعليه لا سبيل على القضاة الآن إلا الانصياع بحسب الرئيس).
لماذا المداهمات الليلية للإيقاف والتفتيش والحجز؟ أسلوب أمني لبطولة وهمية للضابطة العدلية تجعل الرئيس سعيدا.. لماذا عدم توجيه استدعاءات؟ لا. هم بحاجة لاستعراض بطولات مفقودة، ليثبت الجميع للرئيس أنه يعمل من وزير الداخلية المحامي العاق لمبادئ المحاماة لوزيرة العدل القاضية العاقة لمبادئ القضاء.. هذا الأسلوب أيضا مفيد لتيسير إصدار بطاقات إيداع لاحقا (الإيقافات التي تعلنها صفحات الرئيس قبل التصريح بها).
إيقافات والتهمة التآمر لتبديل هيئة الدولة (بورقيبة كما واجه اليوسفيين ولم يبق إلا تأسيس محكمة أمن الدولة).. خيام التركي لأنه يستقبل في منزله معارضين يتناقشون هذه "الوحلة" وعبد الحميد الجلاصي لأنه معارض بخطاب حاسم، أما بوطار فلا تهمة بينة لكن المعلوم أن "موزاييك" أصبحت مرهقة (للتذكير احتجاج الرئيس على هامش قمة الفرنكفونية في جربة على الخط التحريري للإذاعة).
نحن أمام سلطة تافهة بائسة يائسة وهي لا تتورع على إثبات خساستها.. لتكن الصورة واضحة: إسقاط هذه السلطة بكل وسيلة شرعية ضرورة.. وإن أرادوا اختبارنا في حقنا في ممارسة حقوقنا وحرياتنا التي افتكيناها بدماء الشهداء ونضالات الشرفاء، فليكن!
لن نترك البلد لهؤلاء البؤساء الفاشلين…
جميع الملفات القضائية للإيقافات الأخيرة لا تتضمن أي تهمة ذات علاقة بمسألة الاحتكار أو أي مسألة تهم التزويد بالسلع.. فما واحد خرج وقال الإيقافات أكدت "أنهم" يقفون وراء أزمة توزيع السلع وارتفاع الأسعار.. هذا بوهالي وإلا مش بوهالي؟