يتأكد يوم بعد يوم أن قيس سعيّد اختار أن يحوّل التحالف مع الجزائر، وهو تاريخي بين البلدين، إلى تبعية للجار الغربي على حساب الحياد الإيجابي لتونس في ملف الصحراء الذي يعد أحد أهم ثوابت الدولة منذ فجر الاستقلال.. قرار دعوة رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي لقمة تيكاد على خلاف الموقف الياباني، بل واستقبال سعيّد لغالي كما بروتوكول استقبال رؤساء الدول هو القطرة التي أفاضت كأس المغرب اليوم بانسحابها من المشاركة في تيكاد ودعوتها لسفيرها في تونس.
البيان المغربي تحدث عن سابقية أعمال تونسية اعتبرت مساسا من المصالح العليا للمغرب.. في أكتوبر 2021 وفي جلسة التجديد الدوري لبعثة "مينورسو"، وقبيل نهاية عهدتنا في مجلس الأمن، اختارت تونس مع روسيا (دائمة الامتناع في هذا الملف) عدم التصويت على قرار تجديد البعثة الذي مر بأغلبية 13 صوتا..
تونس كانت قد صوتت لفائدة قرار عام 2020.. لكن تغير الموقف عام 2021 وقررت الامتناع عن التصويت رغم أن نص المشروع هو ذاته بنفس أرضيته وحيثياته (بما فيها مباركة المبادرة المغربية لحل ضمن مبدأ الحكم الذاتي).. كان الامتناع مؤشرا واضحا من وقتها أن تونس قررت بوضوح الخروج عن موقفها التاريخي تأكيدا لانحياز سعيّد للجزائر التي تصاعدت أزمتها مع المغرب (خاصة بعد التطبيع والاتفاقات العسكرية بين الرباط وتل أبيب)، وقد تصاعدت حاجة سعيّد للجزائر بالخصوص وقتها في سياق أزمة ما بعد 25 جويلية والضغوط الدولية على تونس قبل إعلان خارطة الطريق.
القرار الأممي كان طبعا انتصارا جديدا للرباط بعد رفض طلبات للبوليساريو (أساسا مراقبة وضع حقوق الإنسان ومعبر الكركرات والتجديد نصف السنوي للبعثة).. وهو مواصلة لانتصار مغربي خاصة بعد العودة للاتحاد الإفريقي عام 2017 وما تلاه من استعادة موقع الرباط في هياكل القارة خاصة في سياق تصاعد نفوذها الاقتصادي في إفريقيا، بما عزز موقفها في قضية الصحراء ومن ذلك وقتها موجة تدشين قنصليات في العيون (أكبر مدينة في الصحراء الغربية) اعترافا بمغربيتها، وثم قرار ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء عام 2020 مقايضة مع التطبيع.. وقد تزامنت الضربات للبوليساريو مع وفاة وزير خارجية الكيان امحمد خداد عام 2020 الذي كان دينامو الحركة في ملف العلاقات الخارجية .
في كل هذا السياق، سعيّد اختار وبشكل فج مواصلة التصعيد ضد المغرب اصطفافا مع الجزائر وغدرا بثوابت الدبلوماسية التونسية.. دعوة البوليساريو تمت من الاتحاد الإفريقي لكن كان على تونس بوصفها بلد تنظيم الندوة، وهي توجه الدعوات الرسمية، وبمنطق سيادي وعلى أساس موقفها التاريخي وأخذا بعين الاعتبار أصلا لتحفظ اليابان على دعوتها (المغرب أكبر خامس ناتج محلي قاريا).. كان عليها على الأقل عدم توجيه الدعوة لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي (الذي جاء لتونس مع أكبر مسؤولي التنظيم لتوظيف تيكاد لعقد اجتماعات هامشية مع زعماء الدول فيما تعتبره الرباط أعمال عدائية تجاهها)..
دعوة غالي، بل واستقبال سعيّد له وفق بروتوكولات استقبال الرؤساء هي حركة استفزازية تونسية تعصف بثوابتنا وعلاقاتنا بالمغرب ومشروع مغربنا الكبير (للتذكير الاتفاق التاريخي على أن يكون أمين عام اتحاد المغرب العربي تونسي الجنسية كان على أساس حياد تونس في ملف الصحراء وأخذ نفس المسافة من الجزائر والمغرب).. سعيّد بعد أدائه الكارثي في الداخل، يواصل الآن تهوره ولعبه بالنار في ملف علاقاتنا الخارجية.. هذه المرة مع المغرب الشقيق في ملف تتعامل معه تونس منذ بورقيبة وبن علي وبعد الثورة كمن يمشي على الزجاج بعنوان الحياد الإيجابي.. الذي حوله سعيّد اليوم لانحياز ضد المغرب.