من يدفعون إلى عسكرة إدارة الأزمة الوبائية ينطلقون من مسلمة مفادها أن جهاز إدارة الصحة العسكرية هو أكثر كفاءة و نجاعة من إدارة وزارة الصحة، وهذا مهم مراجعته.. في إدارات الجيش عموما، توجد بيروقراطية ثقيلة غير ظاهرة العيان ببساطة لأنهم لا يتعاملون معها إلا نادرا مقابل أنهم في تماس يومي مع الإدارة المدنية.
ثقل إدارة الجيش أساسها ضوابط معطلة مانعة للاجتهاد حيث هاجس الرقابة والعقاب من السلطة العسكرية العليا تجعل كل من يريد العمل بدون مخاطرة أو خشية الوقوع في خطأ ولو يسير، يتجنب أي خطوة غير مؤمنة وبدون غطاء سابق.. حينما تقوم بمقارنة بين إدارة الجيش وبقية الإدارات العمومية، لن تجد فوارق في العمق.. في الجيش تجد أكثر نجاعة؟ توجد أكثر سرعة بحكم الطبيعة العسكرية التراتبية لإدارة العمليات، ولكن الأمر يتعلق بسرعة في مجال عمله.. تكليف الجيش بحملات تلقيح في الجنوب كان لأنه الأكثر قدرة لوجيستيا على ذلك، وفي إطار الاستعانة بالجيش في ظروف قاهرة (الفيضانات وموجات البرد في السنوات الماضية) لكن دائما في إطار دور الإسناد وليس القيادة.
وزير الصحة المقال فوزي مهدي هو عميد في الجيش (على يقين أن سعيد سيرقيه لرتبة أمير لواء قريبا) يشغل خطة مدير المصالح الفنية والتكوين في الصحة العسكرية، إنسان ذو أخلاق، ولكنه فشل في إدارة الأزمة الصحية، وأعتقد أنه فشل فشلا ذريعا طبعا دون أن يغطي ذلك على الفاشل الأكبر المشيشي.. أليس هذا دليل أن مسلمة الكفاءة ليست بديهية؟
العاملون في الجيش أو المطلعون على بعض الأمور البسيطة داخله، تراهم الأقل حماسة اليوم كلما جاء حديث العسكرة عموما لأنهم يعلمون ما يخفى أحيانا ممن لا يرون إلا جبل الجليد فقط.. واقعا العسكرة بطبيعتها تضعف أدوات الرقابة والمتابعة، وتعزز مخاوف الزجر باستعمال القضاء العسكري.
من الواجب توظيف إمكانيات الجيش لمحاربة كورونا لكن في إطار إسنادي كما جرت العادة، بعيدا عن منحه القيادة لأن في ذلك توريط له، عدا أصلا أن هكذا قيادة تأتي في سياق عام مشبوه في ظل الدعوات لتوسيع دور الجيش في إدارة البلاد..
عموما لم أسمع أن بلدا ما أعطى قيادة أزمة كورونا لإدارة الصحة العسكرية.. المطلوب من الجيش الدعم والإسناد لكن القيادة المترتب عنها المسؤولية السياسية فهي للجهة المدنية التنفيذية.. رئاسة الحكومة ووزارة الصحة.. وإن شاء رئيس الدولة تولي الملف، عليه مسك زمام المبادرة بوضوح عبر مجلس الأمن القومي..
عموما أرجو بنهاية هذه السنوات ألا يكون الجيش وأساسا الجو العام داخله ضحية الصراع بين السياسيين.. أرجو حقيقة ألا تكون الكلفة هي تسرب أجواء غير مسبوقة داخل المؤسسة العسكرية.