عندما نقرّ بأنّ جريمة اغتيال الناشط السياسي السعودي جمال خاشقجي فظيعة، فهي كذلك على اعتبار الفعل شنيع، وليس في علاقة بشخصيّة الضحيّة، لأنّ عدم المساواة بين الضحايا (عندما يكون الفعل ذاته) يجعلنا بل هو جعلنا نذرف الدمع مدرارًا ودون حساب من أجل جمال خاشقجي، في ذات الفترة التي يسقط فيها شهداء في غزّة، لا تقلّ دماءهم قيمة (بالمفهومين الشرعي/الاسلامي وكذلك الانساني) عن شهداء الأمّة الأخرين.
من حقّ أيّ كان أن يعادي الدولة التي يريد ومن حقّ هذه القناة أن تتخذ الخطّ التحريري الذي تبغي. الأمر قابل للنقاش لكن لا يحتمل الأحكام القاطعة. هذا لا يمنع، بل يستوجب طرح أسئلة عن سرّ هذا «الاهتمام الغربي المبالغ» بجريمة خاشقجي، والحال أنّ عشرات بل مئات، إن لم نقل آلاف وملايين الجرائم المماثلة عبر التاريخ، سواء في الماضي أو في الحاضر، لا تقلّ وحشيّة سواء إبادة الهنود الحمر في أمريكا، أو القتل الجماعي للجزائريين من قبل الاستعمار الفرنسي، أو ما يجدّ في فلسطين، وما جدّ في العراق.
هناك لذّة في حلق المتعاطفين مع جمال خاشقجي أمام مشهد التسريبات المتتالية لتفاصيل الجريمة. هذا مشروع ومطلوب وطبيعي، لا لبس في ذلك ولا نقاش، لكنّ المصيبة أن ينحصر الاهتمام بهذه الجريمة حصرًا، بل الأخطر أن نصدّق بل تستبطن أنّ الغرب المنافق (ماكينات الحكم) يمكن (لحظة واحدة) أن يجرّد سيوفه من أجل دم خاشقجي أو أيّ دم مشابه، وأن يذهب في البحث عن العدالة ما استلزم «الجهاد» من أجل هذه «الحقيقة» وهذه «العدالة »…
مفهوم (ربّما زمن الانحطاط) أن نشهد مرض العوام الذي لا همّ لهم سوى (تلك «اللذّة») التي أنستهم فلسطين، لكن السؤال الأمرّ (مثل العلقم) أن تنخرط «النخب» ضمن حمالات «الطهرانيّة» التي لا همّ لها سوى ترقية دونالد ترمب إلى مرتبة الوليّ الصالح، ومن ورائه الغرب بكامله، دون أن ننسى الالهاء عن قضايا أخرى…
من السذاجة تخيّل لحظة واحدة، أو الحلم أنّ (هذا) الغرب الانتقائي) المنافق منذ الاغريق) سيعيد الكرّة بالطريقة ذاتها مع جميع الجرائم المماثلة…
تطهير الغرب ونخبه… يتطلب دمّ خاشقجي وأكثر…