الناظر إلى الساحة السياسية منذ 14 جانفي (على الأقل) يلاحظ أنّ الكمّ الطاغي بل الغالب والمسيطر على الخطاب السياسي، يكمن في "شيطنة الخصم/الخصوم" ، أي أنً صاحب الخطاب لا يقدم برنامجا بقدر ما يستعرض عضلاته في تعداد مثالب الطرف المقابل.
الازمة ليست في الفعل ذاته أو التوجه ذاته، حين تأتي (هذه) الممارسة فعلا انسانيا "طبيعيا"، بل المصيبة أو الطامة الكبرى أن يتحوّل هذا الشكل إلى أسلوب الخطاب الأوحد، بل الوجه الذي لا يتقن غيره طيف واسع من السياسيين.
بقدر ما شكلت النهضة موضوعا لهذه "الشيطنة"، بقدر ما استفادت منها، سواء حين صنع "الأعداء/الخصوم" لها صورة القويّ، وكذلك حافظت هذه الحركة على تماسك املاه "رعب سنوات الجمر"، الذي لولاه لكان الغنوشي محلّ محاسبة عسيرة، على المستوى المالي (مثلا) عن المبالغ التي جمعتها الحركة اثناء "سنوات الجمر"، المقدار والتصرف....
اعداء النهضة - عن سذاجة وغباء - يقدمون للغنوشي مبررات الوجود ويمكنونه من أسباب الحكم. ها هم يتحلقون جميعا حول الحركة وزعيمها، بين من جعل من عداوتها (رضا بلحاج) سببا وجوديا لابتلاع حزب اخر، وبين من ابتلع شتائمه لها (محسن مرزوق) وصار يخطب ودها.... دون ان ننسى احزاب الهوامش والفواصل التي تبحث في العداوة عن متنفس لا غير وفرصة للتعبير "الحرّ"…
دعاء الغنوشي قبل النوم: ربي احفظ لي غباء خصومي، أما عبد اللطيف المكي وأمثاله، فأنا كفيل بهم…