فائض السترات في فرنسا، والباحثون عن "الستر" في تونس..

Photo

السترات الصفراء جنود ماكرون لاحتلال العالم...

كما نرى احتفال فقراء العالم بشكل مبالغ بانتصار جمعية برشلونة على ريال مدريد (او العكس) يحتفل هؤلاء الفقراء بالملحمة التي يسطرها أصحاب السترات الصفراء في فرنسا، بل يصرون على "وحدة المسار والمصير" التي تشمل "فقراء" العالم جميعا، الذين لا ينقصهم سوى شعار "يا فقراء العالم، اتحدوا".....

على المستوى الفلسفي/المعرفي الامور مفتوحة على بعضها، لكن الواقع المعيش يؤكد على ان السياق الفرنسي مختلف بل مناقض للسياق التونسي مثلا.

من تثور في فرنسا هي طبقة البرجوازية الصغيرة الرافضة والمجاهدة امام سعي الراسمالية المتوحشة للعود بها إلى مرتبة "البروليتاريا" الرثّة (وفق التعريف الماركسي). برجوازية تريد العيش والارتقاء دون ادنى وعي طبقي زمن الرخاء، فقط هو خوف جماعي زمن المخاطر من الانحدار إلى اسفل الترتيب الاجتماعي..

لم تصدر عن السترات الصفراء أي اشارة إلى فقراء العالم والحال أن الوعي بالفقر في تونس يبارك لهذه السترات "نضالها الأممي"....

عبر التاريخ استطاعت الراسمالية المتوحشة في الغرب واوروبا أساسا تصدير ازماتها الاجتماعية، بل تحويلها إلى مد استعماري بغيض: مثال ذلك ان ملك فرنسا شارل العاشر أمام ازمة اجتماعية شبيهة بالازمة التي تعيشها فرنسا حاليا، راهن على احتلال الجزائر وتصدير فائض الفقر والمحتجين إلى هذه الأرض "الفرنسية" بقرار ملكي.

لذلك لن يخترع إمانويل ماكرون البارود بالسعي إلى تمويل برامج اجتماعية وتوفير الرخاء للفرنسيين عبر التوسع الاستعماري وفق الشروط العصر الحديث، ليكون السترات الصفراء وقودا لها، ليعيد التاريخ ذاته، دون ان تشعر البروليتاريا (الفرنسية) بالذنب امام المصفقين في المستعمرات لبرشلونة وريال مدريد…

هذا المتذاكي لا يميز بين الصاعق مقابل براميل البارود....

انقلابات خطيرة على المستوى الدولي…

لم يكن الوزير الاول الفرنسي مخيرا حين اختار تعليق الترفيع في الضرائب على الموظفة على المحروقات، حين سبق له ولرئيسه الاصرار الحاحا والالحاح اصرار على الثبات وعدم التراجع عن القرار…

جاء التعليق بطعم العلقم، وجاءت النتيجة بطعم علقم أمر، لأن السواد الأعظم من السترات الصفراء مسنودا بعمق شعبي أكيد، اعتبر التعليق غير كاف، بل (هنا لب المسالة وموطن السؤال) يعتبر أن المعادلة في اساسها تخص سياسىة بمجملها وأن الترفيع في الضرائب شكّل الصاعق الذي اشعل النار وليس السبب بمفرده....

لا حاجة لذكاء مفرط في النباهة لليقين بان المطلب العميق يخص المنوال الاقتصادي برمته وخاصة أسلوب توزيع الثروة الناتجة عن النشاط الاقتصادي، مما يعني أن الامن والهدوء والطمانينة وهي الشروط الاساسية لأي نمو اقتصادي لن تتحقق ولن تترسخ في ظل منوال اقتصادي اساسه ليبرالية متوحشة عابرة للقارات...

يكفي السترات الصفراء فخرا انهم فهموا (وان كان بشكل غريزي لدى اغلبهم) ان العولمة ليست قدرا مسلطا لا مفر منها ولا نجاة سوى الامتثال، مما يعني ضرورة العود الى التخطيط الاقتصادي المركزي في مناقشة او رفض لجدلية الحدود المفتوحة دون قيود....

حركة بدأها ترمب بتفضيل الداخل على الخارج والمصلحة الذاتية على الاتفاقات الدولية، ورسخها السترات الصفراء بترسيخ حق الطبقة الشغيلة في المحافظة على الحقوق بل عدم المساس بها…

هذا وفي تونس الباجي بصدد حفر جب ليوسف، وفي الجزائر اويحي يهدد العمق الشعبي بالويل والثبور…

حكومات ايه الي انت جاي بتقول عليه…

البون شاسع: هم يدافعون عن مكسب ونحن ندافع عن فكرة…

يتابع كثير من العرب والمسلمين الملحمة التي يسطرها السترات الصفراء في فرنسا، على اعتبارها "مكاسب انسانية" قابلة للتدويل كما تم تعميم ظواهر وافكار غربية من قبل.

يتناسى هؤلاء العرب ومن معهم من المسلمين أن المجتمع الفرنسي الذي يساند السترات الصفراء بنسبة 75 في المائة هو بصدد الدفاع عن مكاسب تحققت على مر قرنين من الصراع المرير والتضحيات الجسيمة. يكفي مطالعة رواية "جرمينال" Germinal للكاتب الواقعي إميل زولا لفهم إصرار السترات السوداء على أنه صورة من اصرار "الوجوه السود" نسبة إلى عمال مناجم الفحم في الشمال الفرنسي الذين دفعوا العشرات من اصحابهم لينعم العمال في فرنسا بمكاسب لم تصل إليها فئة الموظفين في تونس مثلا..

على الخلاف من ذلك، يدافع كل من أيمن الظواهري وأمينة فيمن بل يشتركان في الذود عن الفكرة/المشروع. الإسلامي يدافع ويقاتل ويقتل ويدفع حياته نظير ما يحلم بتحقيقه. في المقابل يدافع العلماني/الحداثي عن فكرة مشروعه ضد مشروع اسلامي. هو صراع مخيال يقابل مخيال، مع بعض المكتسبات على ارض الواقع لأن دولة الاستقلال الداخلي، لم تكن ولا يمكن أن تكون لا اسلامية ولا علمانية وبالتالي لا تدافع ولن تذود لا عن هذا ولا عن ذاك.

بورقيبة وحده حمل شبه مشروع طبق بعضه وسجل ما استطاع خدمة لنرجسيته ووفاء لمعتقدات آمن بها، دون خدمة أي طرف. لذلك جاءت دولته او من ورث عنه الحكم، هجينة تمارس التراجع عما تحقق من اقرارات اجتماعية دون ان تجد ما وجد ماكرون من لدن السترات الصفراء…

المكتسبات الاجتماعية على مدى القرنين في فرنسا وخاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خلقت يقينا لدى العمق الشعبي بأنه شريك في الرخاء وطرف في تقاسم الثروة، ليكون اليقين بأن الطرف العربي/الاسلامي لن يعرف ثورات مماثلة للسترات الصفراء طالما المكاسب تأتي منة وبقرار رئاسي..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات